ملف : مجموعة قصص الانبياء
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ملف : مجموعة قصص الانبياء
بـســـم اللــــه الــــرحــــمـــان الــــرحــــيــــم
والصلاة والسلام على أشرف المرسيلن
سيدنا محمد صلى الله عليه السلام
**************
قصة آدم عليه السلام
قال تعالى:
{قل هو نبأ عظيم* أنتم عنه معرضون* ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذا يختصمون* إن يوحي إلي إلا إنما أنا نذير مبين* إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين* قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي، استكبرت أم كنت من العالين* قال أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين* قال فاخرج منها فإنك رجيم* وإن عليك لعنتي إلي يوم الدين* قال رب فأنظرني إلي يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين* إلي يوم الوقت المعلوم* قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين* قال فالحق والحق أقول* لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين* قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين* إن هو إلا ذكر للعالمين* ولتعلمن نبأه بعد حين} (ص:67ـ88)
ومن هذه الآية تتضح قصة آدم عليه السلام ولنذكر هاهنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات، وما يتعلق بها من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله المستعان.
فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلا لهم:
{إني جاعل في الأرض خليفة} (سورة البقرة: 30)
أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضا كما قال:
{وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} (سورة الأنعام: 65)
وقال:
{ويجعلكم خلفاء الأرض} (سورة النمل: 62)
فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم، قالوا:
{أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} (سورة البقرة:30)
قيل: علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والبن، قاله قتادة، وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة فطردوهم إلي جزائر البحور.
وعن ابن عباس نحوه. وعن الحسن: ألهموا ذلك.
وقيل: لما أطلعوا عليه من اللوح المحفوظ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل. رواه ابن أبي حاتم، عن أبي جعفر الباقر.
{ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} (سورة البقرة:30)
أي: نحن نعبدك دائما لا يعصيك منا أحد، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها نحن لا نفتر ليلاً ولا نهاراً.
{قال إني أعلم ما لا تعلمون} (سورة البقرة: 30)
أي: أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء ما لا تعلمون، أي: سيوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء والصالحون. ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال:
{وعلم آدم الأسماء كلها} (سورة البقرة: 31)
قال ابن عباس: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وقال مجاهد: علمه اسم الصحفة، والقدر، حتى الفسوة والفسية.
وقال مجاهد: علمه اسم كل دابة، وكل طير، وكل شيء. وكذا قال سعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد.
وقال الربيع: علمه أسماء الملائكة.
وقال عبد الرحمن بن زيد: علمه أسماء ذريته.
والصحيح: أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها، كما أشار إليه ابن عباس، رضي الله عنهما.
وذكر البخاري هاهنا ما رواه هو ومسلم من طريق سعيد وهشام، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله المؤمنين يوم القيام كذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلي ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، واسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء" وذكر تمام الحديث
{ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} (سورة البقرة: 31)
قال الحسن البصري: لما أراد الله خلق آدم، قالت الملائكة: لا يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه، فابتلوا بهذا، وذلك قوله: (إن كنتم صادقين). وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير.
{قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} (سورة البقرة: 32)
أي: سبحانك أن يحيط أحد بشيء من علمك من غير تعليمك. كما قال:
{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} (سورة البقرة: 255)
{قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} (سورة البقرة: 33)
أي: أعلم السر كما أعلم العلانية.
وقيل: إن المراد بقوله: (أعلم ما تبدون) ما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها) وبقوله: (وما كنتم تكتمون) المراد بهذا الكلام إبليس حين أسر الكبر على آدم عليه السلام. قاله سعيد بن جبير، ومجاهد، والسدي، والضحاك، والثوري، واختاره ابن جرير.
وقال أبو العالية، والربيع، والحسن، وقتادة: (وما كنتم تكتمون) قولهم: لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه. وقوله:
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر} (سورة البقرة: 34)
هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقة بيده، ونفخ فيه من روحه، كما قال:
{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (سورة الحجر: 29)
فهذه أربع تشريفات: خلقه بيده الكريمة، ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له، وتعليمه أسماء الأشياء.
ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا كما سيأتي: أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقال في الآية الأخرى:
{ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين* قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} (سورة الأعراف:11ـ12)
قال الحسن البصري: قاس إبليس، وهو أول من قاس.
وقال محمد بن سيرين: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس. رواهما ابن جرير.
ومعنى هذا أنه نظر بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود. والقياس إذا كان مقابلا للنص كان فاسد الاعتبار، ثم هو فاسد في نفسه؛ فإن الطين أنفع وخير من النار، لأن الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق
{قل هو نبأ عظيم* أنتم عنه معرضون* ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذا يختصمون* إن يوحي إلي إلا إنما أنا نذير مبين* إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين* قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي، استكبرت أم كنت من العالين* قال أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين* قال فاخرج منها فإنك رجيم* وإن عليك لعنتي إلي يوم الدين* قال رب فأنظرني إلي يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين* إلي يوم الوقت المعلوم* قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين* قال فالحق والحق أقول* لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين* قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين* إن هو إلا ذكر للعالمين* ولتعلمن نبأه بعد حين} (ص:67ـ88)
ومن هذه الآية تتضح قصة آدم عليه السلام ولنذكر هاهنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات، وما يتعلق بها من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله المستعان.
فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلا لهم:
{إني جاعل في الأرض خليفة} (سورة البقرة: 30)
أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضا كما قال:
{وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} (سورة الأنعام: 65)
وقال:
{ويجعلكم خلفاء الأرض} (سورة النمل: 62)
فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم، قالوا:
{أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} (سورة البقرة:30)
قيل: علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والبن، قاله قتادة، وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة فطردوهم إلي جزائر البحور.
وعن ابن عباس نحوه. وعن الحسن: ألهموا ذلك.
وقيل: لما أطلعوا عليه من اللوح المحفوظ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل. رواه ابن أبي حاتم، عن أبي جعفر الباقر.
{ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} (سورة البقرة:30)
أي: نحن نعبدك دائما لا يعصيك منا أحد، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها نحن لا نفتر ليلاً ولا نهاراً.
{قال إني أعلم ما لا تعلمون} (سورة البقرة: 30)
أي: أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء ما لا تعلمون، أي: سيوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء والصالحون. ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال:
{وعلم آدم الأسماء كلها} (سورة البقرة: 31)
قال ابن عباس: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وقال مجاهد: علمه اسم الصحفة، والقدر، حتى الفسوة والفسية.
وقال مجاهد: علمه اسم كل دابة، وكل طير، وكل شيء. وكذا قال سعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد.
وقال الربيع: علمه أسماء الملائكة.
وقال عبد الرحمن بن زيد: علمه أسماء ذريته.
والصحيح: أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها، كما أشار إليه ابن عباس، رضي الله عنهما.
وذكر البخاري هاهنا ما رواه هو ومسلم من طريق سعيد وهشام، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله المؤمنين يوم القيام كذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلي ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، واسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء" وذكر تمام الحديث
{ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} (سورة البقرة: 31)
قال الحسن البصري: لما أراد الله خلق آدم، قالت الملائكة: لا يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه، فابتلوا بهذا، وذلك قوله: (إن كنتم صادقين). وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير.
{قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} (سورة البقرة: 32)
أي: سبحانك أن يحيط أحد بشيء من علمك من غير تعليمك. كما قال:
{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} (سورة البقرة: 255)
{قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} (سورة البقرة: 33)
أي: أعلم السر كما أعلم العلانية.
وقيل: إن المراد بقوله: (أعلم ما تبدون) ما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها) وبقوله: (وما كنتم تكتمون) المراد بهذا الكلام إبليس حين أسر الكبر على آدم عليه السلام. قاله سعيد بن جبير، ومجاهد، والسدي، والضحاك، والثوري، واختاره ابن جرير.
وقال أبو العالية، والربيع، والحسن، وقتادة: (وما كنتم تكتمون) قولهم: لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه. وقوله:
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر} (سورة البقرة: 34)
هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقة بيده، ونفخ فيه من روحه، كما قال:
{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (سورة الحجر: 29)
فهذه أربع تشريفات: خلقه بيده الكريمة، ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له، وتعليمه أسماء الأشياء.
ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا كما سيأتي: أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقال في الآية الأخرى:
{ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين* قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} (سورة الأعراف:11ـ12)
قال الحسن البصري: قاس إبليس، وهو أول من قاس.
وقال محمد بن سيرين: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس. رواهما ابن جرير.
ومعنى هذا أنه نظر بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود. والقياس إذا كان مقابلا للنص كان فاسد الاعتبار، ثم هو فاسد في نفسه؛ فإن الطين أنفع وخير من النار، لأن الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
تتمة
ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له، كما قال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (سورة الحجر:28ـ35) استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقصه لآدم وازدراءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي، ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين. وشرح في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئا، وكان اعتذاره أشد من ذنبه. كما قال تعالى في سورة سبحان: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً } (سورة الإسراء:61ـ65) وقال في سورة الكهف: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } (سورة الكهف:50) أي: خرج عن طاعة الله عمداً وعناداً واستكباراً عن امتثال أمره، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها، فإنه مخلوق من نار كما قال، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط. وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليهم جنداً من الملائكة فقاتلوهم وأجلوهم إلي جزائر البحار، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلي السماء فكان هناك، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه. وقال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون: كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا. قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل. وفي رواية عنه: الحارث، قال النقاش: وكنيته أبو كردوس. قال ابن عباس: وكان من حي من الملائكة يقال لهم الجن، وكانوا خزان الجنان، وكان من أشرفهم ومن أكثرهم علماً وعبادة، وكان من أولى الأجنحة الأربعة، فمسخه الله شيطاناً رجيماً. {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ نْهُمْ أَجْمَعِينَ } (سورة ص:71ـ85) وقال في الأعراف: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } (سورة الأعراف:16ـ17) أي: بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد، ولآتينهم من كل جهة منهم، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه. كلما قال الإمام احمد: حدثنا بن القاسم، حدثنا أبو عقيل ـ هو عبد الله بن عقيل الثقفي ـ حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه" وذكر الحديث كما قدمناه في صفة إبليس. وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم. أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات؟ وهو قول الجمهور. أو المراد بهم ملائكة الأرض كما رواه ابن جرير عن طريق الضحاك عن ابن عباس؟ وفيه انقطاع، وفي السياق نكارة، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه. ولكن الأظهر من السياقات الأول، ويدل عليه الحديث: "واسجد له ملائكته" وهذا عموم أيضاً، والله أعلم. وقوله تعالى لإبليس: {فَاهْبِطْ مِنْهَا } (سورة الأعراف:13) و {اخْرُجْ مِنْهَا} (سورة الأعراف:18) دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلي الأرض مذءوماً مدحوراً. وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ } (سورة البقرة:35) وقال في الأعراف: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } (سورة الأعراف:18ـ19) وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } (سورة طه:116ـ119) وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلي الجنة، وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار، وهو ظاهر هذه الآيات. ولكن حكى السدي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس، وعن مرة، وعن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا: اخرج إبليس من الجنة واسكن آدم الجنة، فكا يمشي فيها وحتى ليس فيها زوج يسكن إليها، فنام نومه فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه؛ فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأة. قال: لوم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي. فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما سامها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا. ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. وذكر محمد بن إسحاق، عن ابن عباس؛ أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم مكانه لحكم.
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
ومصدق هذا في قوله تعالى:
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء...} (سورة النساء:1)
وفي قوله تعالى:
{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به ...} (سورة الأعراف:189)
وفي الصحيحين من حديث زائدة، عن ميسرة الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً"
هذا لفظ البخاري. وقد اختلف المفسرون في قوله:
{ولا تقربا هذه الشجرة} (سورة البقرة:35)
فقيل: هي الكرم، وروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والشعبي، وجعدة بن هبيرة، ومحمد بن قيس، والسدي، ورواه عن ابن مسعود وناس من الصحابة، قال: وتزعم يهود أنها الحنطة، وهذا مروى عن ابن عباس، والحسن البصري، ووهب ابن منبه، وعطية العوفي، وأبى مالك، ومحارب بن دثار، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى.
قال وهب: والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وقال الثوري عن حصين، عن أبي مالك: (ولا تقربا هذه الشجرة) وهي النخلة.
وقال ابن جريج عن مجاهد: وهي التينة، وبه قال قتادة وابن جريج. وقال أبو العالية: كانت شجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي في الجنة حدث.
وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا، كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.
وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم: هل هي في السماء أو في الأرض، هو الخلال الذي ينبغي فصله والخروج منه.
والجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى؛ لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى:
{وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} (سورة البقرة:35)
والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذهني؛ وهو المستقر شرعاً من جنة المأوى، وكقول موسى عليه السلام: "علام أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ …" الحديث كما سيأتي الكلام عليه.
وروي مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي ـ واسمه سعد بن طارق ـ عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبي هريرة. وأبي مالك عن ربعى، عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة. فيأتون آدم فيقولون: يا آبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟"
وذكر الحديث بطوله. وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى، وليست تخلو عن نظر. وقال آخرون: بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى.
وهذا القول محكي عن أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في "المعارف"، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره وأفراد له مصنفاً على حده. وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله. ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ابن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني، ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية، وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.
وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في "الملل والنحل"، وأبو محمد بن عطية في تفسيره، وأبو عيسى الرماني في تفسيره، وحكى عن الجمهور الأول، وأبو القاسم الراغب، والقاضي الماوردي في تفسيره فقال: واختلف في الجنة التي أسكناها، يعني آدم وحواء؛ على قولين: أحدهما: أنها جنة الخلد. الثاني: أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء.
ومن قال بهذا اختلفوا على قولين:
أحدهما: أنها في السماء لأنه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنها في الأرض؛ لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهذا قول ابن يحيى. وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم، والله أعلم بصواب ذلك.
هذا كلامه. فقد تضمن كلامه حكاية أقوال الثلاثة، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة. لهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال: هذه الثلاثة التي أوردها الماوردي، ورابعها الوقف، وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى، عن أبي علي الجبائي.
وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلي جواب، فقالوا: لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها، وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع، ولهذا قال:
{اخرج منها مذءوماً مدحوراً} (سورة الأعراف:18)
وقال:
{اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها} (سورة الأعراف:13)
وقال:
{اخرج منها فإنك رجيم} (سورة ص:77)
والضمير عائد إلي الجنة أو السماء أو المنزلة. وأيا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدراً في المكان الذي طرد عنه وأبعد منه، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز.
قالوا: ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له:
{هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} (سورة طه:120)
وبقوله:
{وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين* وقاسهما إني لكما لمن الناصحين* فدلاهما بغرور} (سورة الأعراف: 20ـ22)
وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما.
وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها لا على سبيل الاستقرار بها، أو أنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء. وفي الثلاثة نظر، والله أعلم.
ومما احتج به أصحاب هذه المقالة: ما رواه عبد الله ابن الإمام احمد في الزيادات عن هدبة بن خالد، عن حمادة بن سلمة، عن حميد، عن الحسن البصري، عن يحيى ابن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب، قال: إن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة، فانطلق بنوه ليطلبوه له، فلقيتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون يا بني آدم؟ فقالوا: إن آبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة. فقالوا لهم: ارجعوا فقد كفيتموه. فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه، وقالوا: هذه سنتكم في موتاكم.
وسيأتي الحديث بسنده، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم عليه السلام.
قالوا: فلولا أنه كان الوصول إلي الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكناً؛ لما ذهبوا يطلبون ذلك، فدل على أنها في الأرض لا في السماء، والله أعلم. قالوا: والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله:
{ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} (سورة الأعراف:19)
لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام، فإن آدم خلق في الأرض ولم ينقل أنه رفع إلي السماء وخلق ليكون في الأرض، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال:
{إني جاعل في الأرض خليفة} (سورة البقرة:30)
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء...} (سورة النساء:1)
وفي قوله تعالى:
{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به ...} (سورة الأعراف:189)
وفي الصحيحين من حديث زائدة، عن ميسرة الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً"
هذا لفظ البخاري. وقد اختلف المفسرون في قوله:
{ولا تقربا هذه الشجرة} (سورة البقرة:35)
فقيل: هي الكرم، وروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والشعبي، وجعدة بن هبيرة، ومحمد بن قيس، والسدي، ورواه عن ابن مسعود وناس من الصحابة، قال: وتزعم يهود أنها الحنطة، وهذا مروى عن ابن عباس، والحسن البصري، ووهب ابن منبه، وعطية العوفي، وأبى مالك، ومحارب بن دثار، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى.
قال وهب: والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وقال الثوري عن حصين، عن أبي مالك: (ولا تقربا هذه الشجرة) وهي النخلة.
وقال ابن جريج عن مجاهد: وهي التينة، وبه قال قتادة وابن جريج. وقال أبو العالية: كانت شجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي في الجنة حدث.
وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا، كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.
وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم: هل هي في السماء أو في الأرض، هو الخلال الذي ينبغي فصله والخروج منه.
والجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى؛ لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى:
{وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} (سورة البقرة:35)
والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذهني؛ وهو المستقر شرعاً من جنة المأوى، وكقول موسى عليه السلام: "علام أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ …" الحديث كما سيأتي الكلام عليه.
وروي مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي ـ واسمه سعد بن طارق ـ عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبي هريرة. وأبي مالك عن ربعى، عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة. فيأتون آدم فيقولون: يا آبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟"
وذكر الحديث بطوله. وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى، وليست تخلو عن نظر. وقال آخرون: بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى.
وهذا القول محكي عن أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في "المعارف"، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره وأفراد له مصنفاً على حده. وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله. ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ابن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني، ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية، وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.
وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في "الملل والنحل"، وأبو محمد بن عطية في تفسيره، وأبو عيسى الرماني في تفسيره، وحكى عن الجمهور الأول، وأبو القاسم الراغب، والقاضي الماوردي في تفسيره فقال: واختلف في الجنة التي أسكناها، يعني آدم وحواء؛ على قولين: أحدهما: أنها جنة الخلد. الثاني: أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء.
ومن قال بهذا اختلفوا على قولين:
أحدهما: أنها في السماء لأنه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنها في الأرض؛ لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهذا قول ابن يحيى. وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم، والله أعلم بصواب ذلك.
هذا كلامه. فقد تضمن كلامه حكاية أقوال الثلاثة، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة. لهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال: هذه الثلاثة التي أوردها الماوردي، ورابعها الوقف، وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى، عن أبي علي الجبائي.
وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلي جواب، فقالوا: لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها، وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع، ولهذا قال:
{اخرج منها مذءوماً مدحوراً} (سورة الأعراف:18)
وقال:
{اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها} (سورة الأعراف:13)
وقال:
{اخرج منها فإنك رجيم} (سورة ص:77)
والضمير عائد إلي الجنة أو السماء أو المنزلة. وأيا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدراً في المكان الذي طرد عنه وأبعد منه، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز.
قالوا: ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له:
{هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} (سورة طه:120)
وبقوله:
{وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين* وقاسهما إني لكما لمن الناصحين* فدلاهما بغرور} (سورة الأعراف: 20ـ22)
وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما.
وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها لا على سبيل الاستقرار بها، أو أنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء. وفي الثلاثة نظر، والله أعلم.
ومما احتج به أصحاب هذه المقالة: ما رواه عبد الله ابن الإمام احمد في الزيادات عن هدبة بن خالد، عن حمادة بن سلمة، عن حميد، عن الحسن البصري، عن يحيى ابن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب، قال: إن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة، فانطلق بنوه ليطلبوه له، فلقيتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون يا بني آدم؟ فقالوا: إن آبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة. فقالوا لهم: ارجعوا فقد كفيتموه. فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه، وقالوا: هذه سنتكم في موتاكم.
وسيأتي الحديث بسنده، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم عليه السلام.
قالوا: فلولا أنه كان الوصول إلي الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكناً؛ لما ذهبوا يطلبون ذلك، فدل على أنها في الأرض لا في السماء، والله أعلم. قالوا: والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله:
{ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} (سورة الأعراف:19)
لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام، فإن آدم خلق في الأرض ولم ينقل أنه رفع إلي السماء وخلق ليكون في الأرض، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال:
{إني جاعل في الأرض خليفة} (سورة البقرة:30)
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
قالوا: وهذا كقوله تعالى:
{إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} (سورة القلم:17)
فالألف واللام ليس للعموم، ولم يتقدم معهود لفظي، وإنما هو المعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان قالوا: وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء.
قال الله تعالى:
{قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى اسم ممن معك} (سورة هود:48)
وإنما كان في السفينة حين استقرت على الجودي ونضب الماء عن وجه الأرض أمر أن يهبط إليها هو ومن معه مباركاً عليه وعليهم.
قال تعالى:
{اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم} (سورة البقرة:61)
وقال تعالى:
{وإن منها لما يهبط من خشية الله} (سورة البقرة:74)
وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير.
قالوا: ولا مانع ـ بل هو الواقع ـ أن الجنة التي اسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض، ذات أشجار وثمار وطلال ونعيم ونضرة وسرور، كما قال تعالى:
{إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى} (سورة طه:118)
أي: لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى
{وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحي} (سورة طه:119)
أي: لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس، ولهذا قرن بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا؛ لما بينهما من المقابلة.
فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهى عنها، أهبط إلي أرض الشقاء والتعب والنصب، والسعي والكد والنكد، والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان ديناً وأخلاقاً وأعمالاً، وتصوراً وإرادات وأقوالاً وأفعالاً، كما قال:
{ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين} (سورة البقرة:36)
ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال تعالى:
{وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض، فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً} (سورة الإسراء:104)
ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء. قالوا: وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم، ولا تلازم بينهما، فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم، كما دلت عليه الآيات والأحاديث الصحاح، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وقوله تعالى:
{فأزلهما الشيطان عنها} (سورة البقرة:36)
أي: عن الجنة (فأخرجهما مما كانا فيه) أي: من النعيم والنضرة والسرور إلي دار التعب والكد والنكد، وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدورهما. كما قال تعالى:
{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} (سورة الأعراف:20)
يقول: ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، أي: لو أكلتما منها لصرتما كذلك.
(وقاسمهما) أي: حلف لهما على ذلك (إني لكما لمن الناصحين)، كما قال في الآية الأخرى:
{فوسوس إليه الشيطان، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} (سورة طه:120)
أي: هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من نعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع.
والمقصود أن قوله شجرة الخلد التي إذا أكلت منها خلدت، وقد تكون هي الشجرة التي
قال الإمام احمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن أبي الضحاك، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ولا يقطعها: شجرة الخلد"
وكذا رواه أيضا عن غندر وحجاج، عن شعبة. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به. قال غندر: قلت لشعبة: هي شجرة الخلد؟ قال: ليس فيها هي. وممكن تفرد به الإمام احمد.
وقوله:
{فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} (سورة الأعراف:22)
كما قال في طه:
{فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} (سورة طه:121)
وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم، وهي التي حدته على أكلها، والله أعلم.
وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري: حدثنا بشر بن محمد، حدثنا عبد الله، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها"
تغرد به من هذا الوجه.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة به.
ورواه احمد ومسلم عن هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس، عن أبي هريرة به.
وفي كتاب التوراة التي بأيدي أهل الكتاب: أن الذي دل حواء على الأكل من الشجرة هي الحية، وكانت من أحسن الأشكال وأعظمها، فأكلت حواء عن قولها وأطعمت آدم عليه السلام، وليس فيها ذكر لإبليس؛ فعند ذلك انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فوصلا من ورق التين وعملا مآزر، وفيهما أنهما كان عريانين، وكذا قال وهب بن منبه: كان لباسهما نوراً على فرجه وفرجها.
وهذا الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم، وتحريف وخطأ في التعريب؛ فإن نقل الكلام من لغة إلي لغة لا يتيسر لكل أحد؛ ولاسيما ممن لا يكاد يعرف كلام العرب جيداً، ولا يحيط علما بفهم كتابه أيضاً، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظاً ومعنى. وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله:
{ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما} (سورة الأعراف:27)
فهذا لا يرد لغيره من الكلام والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا على بن الحسين بن إشكاب، حدثنا عن عاصم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً، كثيرا شعر الرأس كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدأ منه عورته، فلما نظر إلي عورته جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن عز وجل: يا آدم مني تفر؟ فما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا، ولكن استحياء"
وقال الثوري عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
{وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} (سورة الأعراف:22)
ورق التين. وهذا إسناد صحيح إليه، وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب، وظاهرة الآية يقتضي أعم من ذلك، وبتقدير تسليمه فلا يضر، والله أعلم.
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
وروي الحافظ ابن عساكر عن طريق محمد بن إسحاق، عن الحسن بن ذكوان، عن الحسن البصري، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق، ستون ذراعاً، كثير الشعر، مواري العورة، فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته فخرج من الجنة، فلقيته شجرة فأخذت بناصيته، فناداه ربه: أفراراً مني يا آدم؟ قال: بل حياء منك والله يا رب مما جئت به"
ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عتي بن ضمرة عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وهذا أصح، فإن الحسن لم يدرك أبيا.
ثم أورده أيضا من طريق خيثمة بن سليمان الأطرابلسي، عن محمد بن عبد الوهاب أبي قرصافة العسقلاني، عن آدم بن أبي إياس، عن سنان، عن قتادة، عن أنس مرفوعاً بنحوه.
{وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين* قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (سورة الأعراف:22ـ23)
وهذا اعتراف ورجوع إلي الإنابة، وتذلل وخضوع واستكانة، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة، وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلي خير في دنياه وأخراه.
{قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم وفي الأرض مستقر ومتاع إلي حين} (سورة الأعراف:24)
وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس، قيل والحية معهم، أمروا أن يهبطوا من الجنة في حال كونهم متعادين متحاربين. وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات وقال: "ما سالمناهن منذ حاربناهن"
وقوله في سورة طه:
{قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو} (سورة الآية:123)
هو أمر لآدم وإبليس، واستتبع آدم: حواء، وإبليس: الحية. وقيل: هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى:
{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين} (سورة الأنبياء:78)
والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدع ومدعي عليه، قال: (وكنا لحكمهم شاهدين). وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة في قوله:
{وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين* فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم* قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (سورة البقرة:36ـ39)
فقال بعض المفسرين: المراد بالإهباط الأول: الهبوط من الجنة إلي السماء الدنيا، وبالثاني: من السماء الدنيا إلي الأرض.
وهذا ضعيف لقوله في الأول: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين). فدل على أنهم اهبطوا إلي الأرض بالإهباط الأول والله أعلم.
والصحيح أنه كرره لفظاً وإن كان واحداً، وناط مع كل مرة حكماً، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم، وبالثاني الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد ومن خالفه فهو الشقي، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.
وروي الحافظ ابن عساكر عن مجاهد قال: أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جواره، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه، وتعلق به غصن فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو، فقال الله أفراراً مني؟ قال: بل حياء منك يا سيدي.
وقال الأوزاعي عن حسان ـ هو ابن عطية ـ: مكث آدم في الجنة مائة عام، وفي رواية ستين عام، وبكى على الجنة سبعين عاماً، وعلى خطيئته سبعين عاماً، وعلى ولده حين قتل أربعين عاماً.
رواه ابن عساكر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو روعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن سعيد، عن ابن عباس قال: اهبط آدم عليه السلام إلي أرض يقال لها "دحنا" بين مكة والطائف.
وعن الحسن قال: اهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بـ"دستيمسان" من البصرة على أميال، واهبطت الحية بأصبهان.
رواه ابن أبي حاتم أيضاً.
وقال السدي: نزل آدم بالهند ونزل معه الحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك.
وعن ابن عمر قال: اهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة. رواه ابن أبي حاتم أيضاً.
وقال عبد الرزاق: قال معمر: أخبرني عوف، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري، قال: إن الله حين اهبط آدم من الجنة إلي الأرض علمه صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.
وقال الحاكم في مستدركه: أنبأنا أبو بكر بن بالويه، عن محمد بن احمد بن النضر، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن عمار بن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلي غروب الشمس.
ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وفي صحيح مسلم من حديث الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها"
وفي الصحيح من وجة آخر: "وفيه تقوم الساعة".
وقال احمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة"
على شرط مسلم.
فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر من طريق أبي القاسم البغوي، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هبط آدم وحواء عريانين جميعاً، عليهما ورق الجنة، فأصابه الحر حتى ققعد يبكي ويقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، قال: فجاءه جبريل بقطن، وأمرها أن تغزل وعلمها، وأمر آدم بالحياكة، وعلمه أن ينسج، قال: وكان آدم لم يجامع امرأته في الجنة؛ حتى هبط منها للخطيئة التي أصابتهما بأكلهما من الشجرة، قال: وكان كل واحد منهما ينام على حده؛ ينام أحدهما في البطحاء والآخر من الناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله، قال: وعلمه كيف يأتيها، فكلما أتاها جاءه جبريل فقال: كيف وجدت امرأتك؟ قال: صالحة"
فإنه حديث غريب، ورفعه منكر جداً، وقد يكون من كلام بعض السلف، سعيد ابن ميسرة هذا هو أبو عمران البكري البصري، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات، وقال ابن عدي: مظلم الأمر. وقوله:
{فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} (سورة البقرة:37)
قيل هي قوله:
{... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (سورة الأعراف:23)
روي هذا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا على بن الحسن بن إشكاب، حدثنا على بن عاصم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال آدم عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبت وراجعت أعائدي إلي الجنة؟ قال: نعم. فذلك قوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب)
وهذا غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع.
وقال ابن أبي نجيح؛ عن مجاهد قال: الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي، إنك أنت التواب الرحيم.
وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه). قال: قال آدم: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى، ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى، وعطست فقلت يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له: بلى، وكتبت علي أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى؛ قال: أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلي الجنة؟ قال: نعم.
ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وروى الحاكم أيضاً والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي.
فقال الله: فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟
فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلي اسمك إلا أحب الخلق إليك.
فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك"
قال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف والله أعلم.
وهذه الآية كقوله تعالى:
{وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} (سورة طه:121ـ122)
ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عتي بن ضمرة عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وهذا أصح، فإن الحسن لم يدرك أبيا.
ثم أورده أيضا من طريق خيثمة بن سليمان الأطرابلسي، عن محمد بن عبد الوهاب أبي قرصافة العسقلاني، عن آدم بن أبي إياس، عن سنان، عن قتادة، عن أنس مرفوعاً بنحوه.
{وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين* قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (سورة الأعراف:22ـ23)
وهذا اعتراف ورجوع إلي الإنابة، وتذلل وخضوع واستكانة، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة، وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلي خير في دنياه وأخراه.
{قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم وفي الأرض مستقر ومتاع إلي حين} (سورة الأعراف:24)
وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس، قيل والحية معهم، أمروا أن يهبطوا من الجنة في حال كونهم متعادين متحاربين. وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات وقال: "ما سالمناهن منذ حاربناهن"
وقوله في سورة طه:
{قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو} (سورة الآية:123)
هو أمر لآدم وإبليس، واستتبع آدم: حواء، وإبليس: الحية. وقيل: هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى:
{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين} (سورة الأنبياء:78)
والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدع ومدعي عليه، قال: (وكنا لحكمهم شاهدين). وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة في قوله:
{وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين* فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم* قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (سورة البقرة:36ـ39)
فقال بعض المفسرين: المراد بالإهباط الأول: الهبوط من الجنة إلي السماء الدنيا، وبالثاني: من السماء الدنيا إلي الأرض.
وهذا ضعيف لقوله في الأول: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين). فدل على أنهم اهبطوا إلي الأرض بالإهباط الأول والله أعلم.
والصحيح أنه كرره لفظاً وإن كان واحداً، وناط مع كل مرة حكماً، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم، وبالثاني الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد ومن خالفه فهو الشقي، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.
وروي الحافظ ابن عساكر عن مجاهد قال: أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جواره، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه، وتعلق به غصن فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو، فقال الله أفراراً مني؟ قال: بل حياء منك يا سيدي.
وقال الأوزاعي عن حسان ـ هو ابن عطية ـ: مكث آدم في الجنة مائة عام، وفي رواية ستين عام، وبكى على الجنة سبعين عاماً، وعلى خطيئته سبعين عاماً، وعلى ولده حين قتل أربعين عاماً.
رواه ابن عساكر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو روعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن سعيد، عن ابن عباس قال: اهبط آدم عليه السلام إلي أرض يقال لها "دحنا" بين مكة والطائف.
وعن الحسن قال: اهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بـ"دستيمسان" من البصرة على أميال، واهبطت الحية بأصبهان.
رواه ابن أبي حاتم أيضاً.
وقال السدي: نزل آدم بالهند ونزل معه الحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك.
وعن ابن عمر قال: اهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة. رواه ابن أبي حاتم أيضاً.
وقال عبد الرزاق: قال معمر: أخبرني عوف، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري، قال: إن الله حين اهبط آدم من الجنة إلي الأرض علمه صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.
وقال الحاكم في مستدركه: أنبأنا أبو بكر بن بالويه، عن محمد بن احمد بن النضر، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن عمار بن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلي غروب الشمس.
ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وفي صحيح مسلم من حديث الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها"
وفي الصحيح من وجة آخر: "وفيه تقوم الساعة".
وقال احمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة"
على شرط مسلم.
فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر من طريق أبي القاسم البغوي، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هبط آدم وحواء عريانين جميعاً، عليهما ورق الجنة، فأصابه الحر حتى ققعد يبكي ويقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، قال: فجاءه جبريل بقطن، وأمرها أن تغزل وعلمها، وأمر آدم بالحياكة، وعلمه أن ينسج، قال: وكان آدم لم يجامع امرأته في الجنة؛ حتى هبط منها للخطيئة التي أصابتهما بأكلهما من الشجرة، قال: وكان كل واحد منهما ينام على حده؛ ينام أحدهما في البطحاء والآخر من الناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله، قال: وعلمه كيف يأتيها، فكلما أتاها جاءه جبريل فقال: كيف وجدت امرأتك؟ قال: صالحة"
فإنه حديث غريب، ورفعه منكر جداً، وقد يكون من كلام بعض السلف، سعيد ابن ميسرة هذا هو أبو عمران البكري البصري، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات، وقال ابن عدي: مظلم الأمر. وقوله:
{فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} (سورة البقرة:37)
قيل هي قوله:
{... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (سورة الأعراف:23)
روي هذا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا على بن الحسن بن إشكاب، حدثنا على بن عاصم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال آدم عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبت وراجعت أعائدي إلي الجنة؟ قال: نعم. فذلك قوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب)
وهذا غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع.
وقال ابن أبي نجيح؛ عن مجاهد قال: الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي، إنك أنت التواب الرحيم.
وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه). قال: قال آدم: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى، ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى، وعطست فقلت يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له: بلى، وكتبت علي أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى؛ قال: أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلي الجنة؟ قال: نعم.
ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وروى الحاكم أيضاً والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي.
فقال الله: فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟
فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلي اسمك إلا أحب الخلق إليك.
فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك"
قال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف والله أعلم.
وهذه الآية كقوله تعالى:
{وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} (سورة طه:121ـ122)
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
قصة إدريس عليه السلام
قال تعالى:
{وأذكر في الكتاب إدريس، إنه كان صديقاً نبياً* ورفعناه مكانا عليا} (سورة مريم:56ـ57)
فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية، وهو "خنوع". وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب.
وكان أول بني آدم أعطى النبوة بعد "آدم" و "شيث" عليهما السلام.
وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين. وقد قال طائفة من الناس: إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم لما سأل رسول الله صلى الله عليه عن الخط بالرمل فقال: "إنه كان نبي يخط به، فمن وافق خطه فذاك".
ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك، ويسمونه هرمس الهرامسة، ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء.
وقوله تعالى: (ورفعناه مكاناً عليا) وهو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة.
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعباً ـ وأنا حاضرـ فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس: (ورفعناه مكاناً عليا)؟ فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: إني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم ـ لعله من أهل زمانه ـ فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة فقال: إن الله أوحى إلي كذا وكذا، فكلم ملك الموت حتى أزداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلي السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي أقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل: (ورفعناه مكاناً عليا).
ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها. وعنده: فقال لذلك الملك: سل في ملك الموت كم بقى من عمري؟ فسأله وهو معه: كم بقى من عمره؟ فقال لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال: إنك لتسألني عن رجل ما بقى من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك إلي تحت جناحه إلي إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر.
وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: (ورفعناه مكاناً عليا) قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى. إن أراد أنه لم يمت إلي الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رفع حياً إلي السماء ثم قبض هناك، فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار. والله أعلم.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: (ورفعناه مكاناً عليا): رفع إلي السماء السادس فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد.
وقال الحسن البصري: (ورفعناه مكاناً عليا) وقال: إلي الجنة. وقال قائلون: رفع في حياة أبيه "يرد بن مهلاييل" فالله أعلم. وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح؛ بل في زمانه بني إسرائيل.
قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه مر به عليه السلام قال له: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح. قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال كما قالا له.
وهذا لا يدل، ولابد لأنه قال لا يكون الراوي حفظه جيداً، أو لعله قال على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبو البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن وأكبر أولى العزم بعد محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
{وأذكر في الكتاب إدريس، إنه كان صديقاً نبياً* ورفعناه مكانا عليا} (سورة مريم:56ـ57)
فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية، وهو "خنوع". وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب.
وكان أول بني آدم أعطى النبوة بعد "آدم" و "شيث" عليهما السلام.
وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين. وقد قال طائفة من الناس: إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم لما سأل رسول الله صلى الله عليه عن الخط بالرمل فقال: "إنه كان نبي يخط به، فمن وافق خطه فذاك".
ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك، ويسمونه هرمس الهرامسة، ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء.
وقوله تعالى: (ورفعناه مكاناً عليا) وهو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة.
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعباً ـ وأنا حاضرـ فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس: (ورفعناه مكاناً عليا)؟ فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: إني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم ـ لعله من أهل زمانه ـ فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة فقال: إن الله أوحى إلي كذا وكذا، فكلم ملك الموت حتى أزداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلي السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي أقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل: (ورفعناه مكاناً عليا).
ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها. وعنده: فقال لذلك الملك: سل في ملك الموت كم بقى من عمري؟ فسأله وهو معه: كم بقى من عمره؟ فقال لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال: إنك لتسألني عن رجل ما بقى من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك إلي تحت جناحه إلي إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر.
وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: (ورفعناه مكاناً عليا) قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى. إن أراد أنه لم يمت إلي الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رفع حياً إلي السماء ثم قبض هناك، فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار. والله أعلم.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: (ورفعناه مكاناً عليا): رفع إلي السماء السادس فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد.
وقال الحسن البصري: (ورفعناه مكاناً عليا) وقال: إلي الجنة. وقال قائلون: رفع في حياة أبيه "يرد بن مهلاييل" فالله أعلم. وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح؛ بل في زمانه بني إسرائيل.
قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه مر به عليه السلام قال له: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح. قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال كما قالا له.
وهذا لا يدل، ولابد لأنه قال لا يكون الراوي حفظه جيداً، أو لعله قال على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبو البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن وأكبر أولى العزم بعد محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
قصة نوح عليه السلام
نسبه
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوع ـ وهو إدريس ـ بن يرد بن مهلابيل بن قينن بن أنوشي بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام.
مولده
وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة؛ فيما ذكره ابن جرير وغيره. وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم بن حبان في صحيحه: حدثنا محمد بن عمرو بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة يقول: أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: "نعم، مكلم". قلت فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: "عشرة قرون".
وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه. وفي صحيح البخاري ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة ـ كما هو المتبادر عند كثير من الناس ـ فينهما ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام، إذ قد يكون بينهما قرون آخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام، ولكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون، وزادنا ابن عباس أنهم كانوا على الإسلام.
وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب: أن قابيل وبنيه عبدوا النار. فالله أعلم.
وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى:
{وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} (سورة الإسراء:17)
وقوله:
{ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} (سورة المؤمنون:31)
وقال تعالى:
{وقرونا بين ذلك كثيراً} (سورة الفرقان: 38)
وقال:
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن} (سورة مريم:74)
وكقوله عليه السلام: "خير القرون قرني" ... الحديث، فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة، فعلى هذا يكون بين نوح وآدم ألوف من السنين، والله أعلم.
سبب بعث سيدنا نوح
وبالجملة فنوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد؛ فكان أول رسول بعث إلي أهل الأرض، كما يقول أهل الموقف يوم القيامة.
سنه يوم البعث
واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث، فقيل كان ابن خمسين سنة، وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة. حكاها ابن جرير، وعزا الثالثة منها إلي ابن عباس.
قصة سيدنا نوح
مضمون ما جرى لسيدنا نوح مع قومه مأخوذا من الكتاب والسنة والآثار، فقد قدمنا عن ابن عباس؛ أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، رواه البخاري. وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف.
ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلي عبادة الأصنام. وكان سبب ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس عند تفسير قوله تعالى:
{وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} (سورة نوح:23)
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلي قومهم أن انصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم عبدت.
قال ابن عباس: وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن إسحاق.
وقال ابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمد بن قيس قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلي العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدوهم وبهم يسقطون المطر، فعبدوهم.
وروى ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير أنه قال: ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر أولاد آدم، وكان "ود" أكبرهم وأبرهم به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا احمد بن منصور، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يعقوب عن أبي المطهر، قال: فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب، أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله تعالى. قال: ذكر ودا رجلاً صالحاً، وكان محبباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان، ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم فصور لهم مثله، قال: ووضعوه فيناديهم وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم. قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به، قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به. قال: وتناسوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله، وأولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير الله "ود" الذي سموه وداً.
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس، وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لها، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل. ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جداً قد ذكرناها في مواضعها من كتابنا التفسير. ولله الحمد والمنة.
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوع ـ وهو إدريس ـ بن يرد بن مهلابيل بن قينن بن أنوشي بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام.
مولده
وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة؛ فيما ذكره ابن جرير وغيره. وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم بن حبان في صحيحه: حدثنا محمد بن عمرو بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة يقول: أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: "نعم، مكلم". قلت فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: "عشرة قرون".
وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه. وفي صحيح البخاري ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة ـ كما هو المتبادر عند كثير من الناس ـ فينهما ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام، إذ قد يكون بينهما قرون آخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام، ولكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون، وزادنا ابن عباس أنهم كانوا على الإسلام.
وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب: أن قابيل وبنيه عبدوا النار. فالله أعلم.
وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى:
{وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} (سورة الإسراء:17)
وقوله:
{ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} (سورة المؤمنون:31)
وقال تعالى:
{وقرونا بين ذلك كثيراً} (سورة الفرقان: 38)
وقال:
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن} (سورة مريم:74)
وكقوله عليه السلام: "خير القرون قرني" ... الحديث، فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة، فعلى هذا يكون بين نوح وآدم ألوف من السنين، والله أعلم.
سبب بعث سيدنا نوح
وبالجملة فنوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد؛ فكان أول رسول بعث إلي أهل الأرض، كما يقول أهل الموقف يوم القيامة.
سنه يوم البعث
واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث، فقيل كان ابن خمسين سنة، وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة. حكاها ابن جرير، وعزا الثالثة منها إلي ابن عباس.
قصة سيدنا نوح
مضمون ما جرى لسيدنا نوح مع قومه مأخوذا من الكتاب والسنة والآثار، فقد قدمنا عن ابن عباس؛ أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، رواه البخاري. وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف.
ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلي عبادة الأصنام. وكان سبب ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس عند تفسير قوله تعالى:
{وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} (سورة نوح:23)
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلي قومهم أن انصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم عبدت.
قال ابن عباس: وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن إسحاق.
وقال ابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمد بن قيس قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلي العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدوهم وبهم يسقطون المطر، فعبدوهم.
وروى ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير أنه قال: ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر أولاد آدم، وكان "ود" أكبرهم وأبرهم به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا احمد بن منصور، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يعقوب عن أبي المطهر، قال: فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب، أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله تعالى. قال: ذكر ودا رجلاً صالحاً، وكان محبباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان، ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم فصور لهم مثله، قال: ووضعوه فيناديهم وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم. قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به، قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به. قال: وتناسوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله، وأولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير الله "ود" الذي سموه وداً.
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس، وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لها، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل. ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جداً قد ذكرناها في مواضعها من كتابنا التفسير. ولله الحمد والمنة.
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، ويقال لها مارية، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل".
والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض وعم البلاء بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام نوحاً عليه السلام، يدعو إلي عبادة الله وحده لا شريك له، وينهي عن عبادة ما سواه.
فكان أول رسول بعثه الله إلي أهل الأرض،
كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة، قال: "فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلي ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً شديداً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي أذهبوا إلي غيري، أذهبوا إلي نوح.
فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلي أهل الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلي وما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلي ربك عز وجل؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي"
وذكر تمام الحديث بطوله، كما أورده البخاري في قصة نوح.
فلما بعث الله نوحاً عليه السلام، دعاهم إلي إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وألا يعبدوا معه صنماً ولا تمثالاً، ولا طاغوتاً، وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ورب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل هم كلهم من ذريته.
كما قال تعالى:
{وجعلنا ذريته هم الباقين} (سورة الصافات:77)
وقال فيه وفي إبراهيم:
{وجعلنا ذريتهما النبوة والكتاب} (سورة الحديد:26)
أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته، وكذلك إبراهيم.
قال الله تعالى:
{ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (سورة النحل:36)
وقال الله تعالى:
{واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} (سورة الزخرف:45)
وقال تعالى:
{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (سورة الأنبياء:25)
ولهذا قال نوح عليه السلام:
{اعبدوا الله من إله غيره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} (سورة الأعراف:59)
وقال:
{قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون* يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلي أجل مسمى، إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، لو كنتم تعلمون * قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً * فلم يزدهم دعائي إلا فراراً * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصعابهم في آذانهم واسغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً * ثم إني دعوتهم جهاراً * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليه مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً * ما لكم لا ترجون لله وقاراً * وقد خلقكم أطواراً} (سورة نوح:2ـ14)
فذكر أنه دعاهم إلي الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والإجهار، بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، وكل هذا لم ينجح فيهم، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به وتوعدهم بالرجم والإخراج، ونالوا منهم، وبالغوا في أمرهم.
(قال الملأ من قومه) أي: السادة الكبراء منهم:
{إنا لنراك في ضلال مبين} (سورة الأعراف:60)
{قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين} (سورة الأعراف:61)
أي: لست كما تزعمون من أني ضال، بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين، أي: الذي يقول للشيء كن فيكون:
{أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} (سورة الأعراف:63)
وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً، أي: فصيحاً ناصحاً، أعلم الناس بالله عز وجل. وقالوا له فيما قالوا:
{ما نراك إلا بشراً مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي، وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} (سورة هود:27)
وتعجبوا أن يكون بشراً رسولاً، وتنقصوا من اتبعه ورأوهم أراذلهم. وقد قيل: إنهم من أفناد الناس وهم ضعفاؤهم، كما قال هرقل: وهم اتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق.
وقولهم: (بادي الرأي) أي: بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية. وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلي روية ولا فكر ولا نظر، بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً للصديق: "ما دعوت أحداً إلي الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر، فإنه لم يتلعثم"، ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضاً سريعة من غير نظر ولا روية، لأن أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه، قال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" رضي الله عنه
وقول كفرة قوة نوح له ولمن آمن به:
{وما نرى لكم علينا من فضل} (سورة هود:27)
أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان ولا مزية علينا:
{بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} (سورة هود:27ـ28)
وهذا تلطف في الخطاب معهم، وترفق بهم في الدعوة إلي الحق. كما قال تعالى:
{فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} (سورة طه:44)
وقال تعالى:
{ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن} (سورة النحل:125)
يقول لهم:
{أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده} (سورة هود:2)
أي: النبوة والرسالة: (فعمت عليكم) أي: فلم تفهموها ولم تهتدوا إليها، (أنلزمكموها) أي أنغصبكم بها ونجبركم عليها؟ (وأنتم لها كارهون) أي: ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه.
{ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله} (سورة هود:29)
أي: لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، إن أطلب ذلك إلا من الله ثوابه خير لي، وأبقى مما تعطونني أنتم. وقوله:
{وما أنا بطارد الذين أمنوا، إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوماً يجهلون} (سورة هود:29)
كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك وقال: (إنهم ملاقو ربهم) أي: فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلي الله عز وجل، ولهذا قال:
{ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون} (سورة هود:30)
ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين، كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم، نهاه الله عن ذلك كما بيناه في سورتي الأنعام والكهف
والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض وعم البلاء بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام نوحاً عليه السلام، يدعو إلي عبادة الله وحده لا شريك له، وينهي عن عبادة ما سواه.
فكان أول رسول بعثه الله إلي أهل الأرض،
كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة، قال: "فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلي ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً شديداً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي أذهبوا إلي غيري، أذهبوا إلي نوح.
فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلي أهل الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلي وما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلي ربك عز وجل؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي"
وذكر تمام الحديث بطوله، كما أورده البخاري في قصة نوح.
فلما بعث الله نوحاً عليه السلام، دعاهم إلي إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وألا يعبدوا معه صنماً ولا تمثالاً، ولا طاغوتاً، وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ورب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل هم كلهم من ذريته.
كما قال تعالى:
{وجعلنا ذريته هم الباقين} (سورة الصافات:77)
وقال فيه وفي إبراهيم:
{وجعلنا ذريتهما النبوة والكتاب} (سورة الحديد:26)
أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته، وكذلك إبراهيم.
قال الله تعالى:
{ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (سورة النحل:36)
وقال الله تعالى:
{واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} (سورة الزخرف:45)
وقال تعالى:
{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (سورة الأنبياء:25)
ولهذا قال نوح عليه السلام:
{اعبدوا الله من إله غيره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} (سورة الأعراف:59)
وقال:
{قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون* يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلي أجل مسمى، إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، لو كنتم تعلمون * قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً * فلم يزدهم دعائي إلا فراراً * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصعابهم في آذانهم واسغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً * ثم إني دعوتهم جهاراً * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليه مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً * ما لكم لا ترجون لله وقاراً * وقد خلقكم أطواراً} (سورة نوح:2ـ14)
فذكر أنه دعاهم إلي الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والإجهار، بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، وكل هذا لم ينجح فيهم، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به وتوعدهم بالرجم والإخراج، ونالوا منهم، وبالغوا في أمرهم.
(قال الملأ من قومه) أي: السادة الكبراء منهم:
{إنا لنراك في ضلال مبين} (سورة الأعراف:60)
{قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين} (سورة الأعراف:61)
أي: لست كما تزعمون من أني ضال، بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين، أي: الذي يقول للشيء كن فيكون:
{أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} (سورة الأعراف:63)
وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً، أي: فصيحاً ناصحاً، أعلم الناس بالله عز وجل. وقالوا له فيما قالوا:
{ما نراك إلا بشراً مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي، وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} (سورة هود:27)
وتعجبوا أن يكون بشراً رسولاً، وتنقصوا من اتبعه ورأوهم أراذلهم. وقد قيل: إنهم من أفناد الناس وهم ضعفاؤهم، كما قال هرقل: وهم اتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق.
وقولهم: (بادي الرأي) أي: بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية. وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلي روية ولا فكر ولا نظر، بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً للصديق: "ما دعوت أحداً إلي الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر، فإنه لم يتلعثم"، ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضاً سريعة من غير نظر ولا روية، لأن أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه، قال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" رضي الله عنه
وقول كفرة قوة نوح له ولمن آمن به:
{وما نرى لكم علينا من فضل} (سورة هود:27)
أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان ولا مزية علينا:
{بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} (سورة هود:27ـ28)
وهذا تلطف في الخطاب معهم، وترفق بهم في الدعوة إلي الحق. كما قال تعالى:
{فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} (سورة طه:44)
وقال تعالى:
{ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن} (سورة النحل:125)
يقول لهم:
{أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده} (سورة هود:2)
أي: النبوة والرسالة: (فعمت عليكم) أي: فلم تفهموها ولم تهتدوا إليها، (أنلزمكموها) أي أنغصبكم بها ونجبركم عليها؟ (وأنتم لها كارهون) أي: ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه.
{ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله} (سورة هود:29)
أي: لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، إن أطلب ذلك إلا من الله ثوابه خير لي، وأبقى مما تعطونني أنتم. وقوله:
{وما أنا بطارد الذين أمنوا، إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوماً يجهلون} (سورة هود:29)
كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك وقال: (إنهم ملاقو ربهم) أي: فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلي الله عز وجل، ولهذا قال:
{ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون} (سورة هود:30)
ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين، كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم، نهاه الله عن ذلك كما بيناه في سورتي الأنعام والكهف
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
{ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك} (سورة هود:31)
أي:بل أنا عبد رسول، ولا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، (ولا أقول للذين تزدري أعينكم) يعني: من أتباعه
{لن يؤتيهم الله خيراً، الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين} (سورة هود:31)
أي: لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، كما قالوا في الموضع الآخر:
{أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون* إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين} (سورة الشعراء:111ـ115)
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى:
{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} (سورة العنكبوت:14)
أي: ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم.
وكان كلما انقرض جبل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته. وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه، وصاه فيما بينه وبينه، إلا يؤمن بنوح أبداً ما عاش ودائماً ما بقى.
وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق، ولهذا قال:
{ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} (سورة نوح:27)
ولهذا:
{قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين} (سورة هود:32ـ33)
أي: إنما يقدر علي ذلك الله عز وجل، فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون،
{ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون} (سورة هود:34)
أي: من يريد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته، هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم، العليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
{وأوحى إلي نوح أنه لن يؤمن قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} (سورة هود:36)
وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، وتسلية له عما كان منهم إليه: (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) أي: لا يسوء لك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجيب عجيب.
{وأصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} (سورة هود:37)
وذلك أن نوحاً عليه السلام لما يئس من صلاحهم وفلاحهم، ورأى أنهم لا خير فيهم، وتوصلوا إلي أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق، من فعال ومقال، دعا عليهم دعوة غضب لله عليهم، فلبى الله دعوته، وأجاب طلبته.
قال تعالى:
{ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم} (سورة الصافات:75ـ76)
وقال تعالى:
{ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} (سورة الأنبياء:76)
وقال تعالى:
{قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين} (سورة الشعراء:117ـ118)
وقال تعالى:
{فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} (سورة القمر:10)
وقال تعالى:
{قل رب انصرني بما كذبون} (سورة المؤمنون:26)
وقال تعالى:
{مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} (سورة نوح:25ـ27)
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم.
فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك، وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها.
وقدم الله تعالى إليه أنه إذا جاء أمره وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه، فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم، فإنه ليس كالمعاينة. ولهذا قال:
{ولا تخاطبي في الذين ظلموا إنهم مغرقون * ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه} (سورة هود:37ـ38)
أي: يستهزئون به استبعاداً لوقوع ما توعدهم به،
{قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} (سورة هود:38)
أي: نحن الذين نسخر منكم، ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم؛ الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم،
{فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم} (سورة هود:39)
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضاً أن يكون جاءهم من رسول.
كما قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجئ نوح عليه السلام وأمته، فيقول الله عز وجل: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي. فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته فنشهد أنه قد بلغ"
وهو قوله تعالى:
{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (سورة البقرة:143)
والوسط: العدل، وهكذا رواه.
فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق، بأن الله قد بعث نوحاً بالحق، وأنزل عليه الحق وأمره به، وأنه بلغه إلي أمته على أكمل الوجوه وأتمها، ولم يدع شيئاً مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به، ولا شيئاً مما يضرهم إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه.
وهكذا شأن جميع الرسل، حتى إنه حذر قومه المسيح الدجال، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانه، حذراً عليهم وشفقة ورحمة بهم منه.
كما قال البخاري: حدثنا عبدان، حدثنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال سالم: قال ابن عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور"
وهذا الحديث في الصحيحين أيضاً من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أحدثكم عن الدجال حديثاً ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجئ معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه"
لفظ البخاري.
وقد قال بعض العلماء: لما استجاب الله له؛ أمره أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائه أخرى، وقيل في أربعين سنة، فالله أعلم.
قال محمد بن إسحاق عن الثوري: وكانت من خشب الساج، وقيل من الصنوبر؛ وهو نص التوراة.
قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء.
وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً. وهذا الذي في التوراة على ما رأيته.
قال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة.
وعن ابن عباس: ألف ذراع في عرض ستمائة ذراع.
أي:بل أنا عبد رسول، ولا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، (ولا أقول للذين تزدري أعينكم) يعني: من أتباعه
{لن يؤتيهم الله خيراً، الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين} (سورة هود:31)
أي: لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، كما قالوا في الموضع الآخر:
{أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون* إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين} (سورة الشعراء:111ـ115)
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى:
{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} (سورة العنكبوت:14)
أي: ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم.
وكان كلما انقرض جبل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته. وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه، وصاه فيما بينه وبينه، إلا يؤمن بنوح أبداً ما عاش ودائماً ما بقى.
وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق، ولهذا قال:
{ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} (سورة نوح:27)
ولهذا:
{قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين} (سورة هود:32ـ33)
أي: إنما يقدر علي ذلك الله عز وجل، فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون،
{ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون} (سورة هود:34)
أي: من يريد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته، هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم، العليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
{وأوحى إلي نوح أنه لن يؤمن قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} (سورة هود:36)
وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، وتسلية له عما كان منهم إليه: (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) أي: لا يسوء لك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجيب عجيب.
{وأصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} (سورة هود:37)
وذلك أن نوحاً عليه السلام لما يئس من صلاحهم وفلاحهم، ورأى أنهم لا خير فيهم، وتوصلوا إلي أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق، من فعال ومقال، دعا عليهم دعوة غضب لله عليهم، فلبى الله دعوته، وأجاب طلبته.
قال تعالى:
{ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم} (سورة الصافات:75ـ76)
وقال تعالى:
{ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} (سورة الأنبياء:76)
وقال تعالى:
{قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين} (سورة الشعراء:117ـ118)
وقال تعالى:
{فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} (سورة القمر:10)
وقال تعالى:
{قل رب انصرني بما كذبون} (سورة المؤمنون:26)
وقال تعالى:
{مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} (سورة نوح:25ـ27)
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم.
فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك، وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها.
وقدم الله تعالى إليه أنه إذا جاء أمره وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه، فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم، فإنه ليس كالمعاينة. ولهذا قال:
{ولا تخاطبي في الذين ظلموا إنهم مغرقون * ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه} (سورة هود:37ـ38)
أي: يستهزئون به استبعاداً لوقوع ما توعدهم به،
{قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} (سورة هود:38)
أي: نحن الذين نسخر منكم، ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم؛ الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم،
{فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم} (سورة هود:39)
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضاً أن يكون جاءهم من رسول.
كما قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجئ نوح عليه السلام وأمته، فيقول الله عز وجل: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي. فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته فنشهد أنه قد بلغ"
وهو قوله تعالى:
{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (سورة البقرة:143)
والوسط: العدل، وهكذا رواه.
فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق، بأن الله قد بعث نوحاً بالحق، وأنزل عليه الحق وأمره به، وأنه بلغه إلي أمته على أكمل الوجوه وأتمها، ولم يدع شيئاً مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به، ولا شيئاً مما يضرهم إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه.
وهكذا شأن جميع الرسل، حتى إنه حذر قومه المسيح الدجال، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانه، حذراً عليهم وشفقة ورحمة بهم منه.
كما قال البخاري: حدثنا عبدان، حدثنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال سالم: قال ابن عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور"
وهذا الحديث في الصحيحين أيضاً من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أحدثكم عن الدجال حديثاً ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجئ معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه"
لفظ البخاري.
وقد قال بعض العلماء: لما استجاب الله له؛ أمره أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائه أخرى، وقيل في أربعين سنة، فالله أعلم.
قال محمد بن إسحاق عن الثوري: وكانت من خشب الساج، وقيل من الصنوبر؛ وهو نص التوراة.
قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء.
وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً. وهذا الذي في التوراة على ما رأيته.
قال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة.
وعن ابن عباس: ألف ذراع في عرض ستمائة ذراع.
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
وقيل: كان طولها ألفي ذراع، وعرضها مائة ذراع.
قالوا كلهم: وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات؛ كل واحدة عشرة أذرع، فالسفلي للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
قال الله تعالى:
{قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن أصنع الفلك بأعيننا ووحينا} (سورة المؤمنون:26ـ27)
أي: بأمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك، لنرشدك إلي الصواب في صنعتها.
{فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول، ولا تخاطبني في الذين ظلموا، إنهم مغرقون} (سورة المؤمنون:27)
فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه، أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي: أهل بيته، إلا من سبق عليه القول منه، أي: إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد، وأمره أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعانيه من العذاب العظيم؛ الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد؛ كما قدمنا بيانه قبل.
والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الأرض، أي نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار، وعن ابن عباس: التنور عين في الهند، وعن الشعبي: بالكوفة، وعن قتادة: بالجيزة.
وقال علي بن أبي طالب: المراد بالتنور فلق الصبح. وتنور الفجر؛ أي إشراقه وضياؤه. أي: عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين، وهذا قول غريب. وقوله تعالى:
{حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن إلا قليل} (سورة هود:40)
هذا أمر بأنه عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.
وفي كتاب أهل الكتاب: أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج، وما لا يؤكل زوجين: ذكر وأنثى.
وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق: (اثنين) إن جعلنا ذلك مفعولاً به، وأما إن جعلناه توكيداً لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافي. والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى، فكانت أول حمى نزلت في الأرض. ثم شكوا الفأرة، فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا؛ فأوحى الله إلي الأسد فعطس، فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها"
وقوله:
{وأهلك إلا من سبق عليه القول} (سورة هود:40)
أي: من استجيب فيهم الدعوة النافذة ممن كفر، فكان منهم ابنه "يام" الذي غرق كما سيأتي بيانه.
{ومن آمن} (سورة هود:40)
أي: واحمل فيها من آمن بك من أمتك، قال الله تعالى:
{وما آمن معه إلا قليل} (سورة هود:40)
هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة ليلاً ونهاراً بضروب المقال، وفنون التلطفات، والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعيد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة.
فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل: كانوا عشرة.
وقيل: إنما كانوا نوحاً وبينه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة "يام" الذي انخزل وانعزل وسلك ع طريق النجاة فما عدل إذ عدل.
وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية. بل هي نص في أنه قد ركب معه من غير أهله طائفة ممن آمن به، كما قال:
{ونجني ومن معي من المؤمنين} (سورة الشعراء:118)
وقيل: كانوا سبعة.
وأما امرأة نوح وهي أم أولاده كلهم: وهي حام، وسام، ويافث، ويام ويسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي قد غرق، و"عابر" فقد ماتت قبل الطوفان، وقيل إنها غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها.
وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة، فيحتمل أنها كفرت بعد ذلك، أو أنها أنظرت إلي يوم القيامة، والظاهر الأول؛ لقوله:
{لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} (سورة نوح:26)
قال الله تعالى:
{فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين* وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين} (سورة المؤمنون:28ـ29)
أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه، ممن خالفه وكذبه: كما قال تعالى:
{والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون* لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا ربنا لمنقلبون} (سورة الزخرف: 12ـ14)
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور؛ أن يكون على الخير والبركة، وأن يكون عاقبتها محمودة.
كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حين هاجر:
{وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} (سورة الإسراء:80)
وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية وقال:
{اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} (سورة هود:41)
أي: على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤها (إن ربي لغفور رحيم) أي: وذو عقاب أليم، مع كونه غفوراً رحيماً، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين، كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به وعبدوا غيره.
وقال الله تعالى:
{وهي تجري بهم في موج كالجبال} (سورة هود:42)
وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطراً لم تعهده الأرض قبلها ولا تمطره بعدها، كان كأفواه القرب وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها.
كما قال تعالى:
{فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر} (سورة القمر:10ـ13)
والدسر: المسامير
{تجري بأعيننا} (سورة القمر:14)
أي: بحفظنا وكلاءتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها
{جزاء لمن كان كفر} (سورة القمر:14)
وقد ذكر ابن جرير وغيره أن الطوفان كان في ثالث عشر شهر آب في حمارة القيظ.
وقال تعالى:
{إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} (سورة الحاقة:11)
أي: السفينة
{لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} (سورة الحاقة:12)
قالوا كلهم: وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات؛ كل واحدة عشرة أذرع، فالسفلي للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
قال الله تعالى:
{قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن أصنع الفلك بأعيننا ووحينا} (سورة المؤمنون:26ـ27)
أي: بأمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك، لنرشدك إلي الصواب في صنعتها.
{فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول، ولا تخاطبني في الذين ظلموا، إنهم مغرقون} (سورة المؤمنون:27)
فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه، أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي: أهل بيته، إلا من سبق عليه القول منه، أي: إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد، وأمره أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعانيه من العذاب العظيم؛ الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد؛ كما قدمنا بيانه قبل.
والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الأرض، أي نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار، وعن ابن عباس: التنور عين في الهند، وعن الشعبي: بالكوفة، وعن قتادة: بالجيزة.
وقال علي بن أبي طالب: المراد بالتنور فلق الصبح. وتنور الفجر؛ أي إشراقه وضياؤه. أي: عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين، وهذا قول غريب. وقوله تعالى:
{حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن إلا قليل} (سورة هود:40)
هذا أمر بأنه عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.
وفي كتاب أهل الكتاب: أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج، وما لا يؤكل زوجين: ذكر وأنثى.
وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق: (اثنين) إن جعلنا ذلك مفعولاً به، وأما إن جعلناه توكيداً لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافي. والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى، فكانت أول حمى نزلت في الأرض. ثم شكوا الفأرة، فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا؛ فأوحى الله إلي الأسد فعطس، فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها"
وقوله:
{وأهلك إلا من سبق عليه القول} (سورة هود:40)
أي: من استجيب فيهم الدعوة النافذة ممن كفر، فكان منهم ابنه "يام" الذي غرق كما سيأتي بيانه.
{ومن آمن} (سورة هود:40)
أي: واحمل فيها من آمن بك من أمتك، قال الله تعالى:
{وما آمن معه إلا قليل} (سورة هود:40)
هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة ليلاً ونهاراً بضروب المقال، وفنون التلطفات، والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعيد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة.
فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل: كانوا عشرة.
وقيل: إنما كانوا نوحاً وبينه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة "يام" الذي انخزل وانعزل وسلك ع طريق النجاة فما عدل إذ عدل.
وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية. بل هي نص في أنه قد ركب معه من غير أهله طائفة ممن آمن به، كما قال:
{ونجني ومن معي من المؤمنين} (سورة الشعراء:118)
وقيل: كانوا سبعة.
وأما امرأة نوح وهي أم أولاده كلهم: وهي حام، وسام، ويافث، ويام ويسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي قد غرق، و"عابر" فقد ماتت قبل الطوفان، وقيل إنها غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها.
وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة، فيحتمل أنها كفرت بعد ذلك، أو أنها أنظرت إلي يوم القيامة، والظاهر الأول؛ لقوله:
{لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} (سورة نوح:26)
قال الله تعالى:
{فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين* وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين} (سورة المؤمنون:28ـ29)
أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه، ممن خالفه وكذبه: كما قال تعالى:
{والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون* لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا ربنا لمنقلبون} (سورة الزخرف: 12ـ14)
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور؛ أن يكون على الخير والبركة، وأن يكون عاقبتها محمودة.
كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حين هاجر:
{وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} (سورة الإسراء:80)
وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية وقال:
{اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} (سورة هود:41)
أي: على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤها (إن ربي لغفور رحيم) أي: وذو عقاب أليم، مع كونه غفوراً رحيماً، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين، كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به وعبدوا غيره.
وقال الله تعالى:
{وهي تجري بهم في موج كالجبال} (سورة هود:42)
وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطراً لم تعهده الأرض قبلها ولا تمطره بعدها، كان كأفواه القرب وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها.
كما قال تعالى:
{فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر} (سورة القمر:10ـ13)
والدسر: المسامير
{تجري بأعيننا} (سورة القمر:14)
أي: بحفظنا وكلاءتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها
{جزاء لمن كان كفر} (سورة القمر:14)
وقد ذكر ابن جرير وغيره أن الطوفان كان في ثالث عشر شهر آب في حمارة القيظ.
وقال تعالى:
{إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} (سورة الحاقة:11)
أي: السفينة
{لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} (سورة الحاقة:12)
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعاً؛ وهو الذي عند أهل الكتاب، وقيل ثمانين ذراعاً؛ وعم جميع الأرض طولها والعرض، سهلها وحزنها، وجبالها وقفارها ورمالها، ولم يبقى على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف؛ ولا صغير ولا كبير.
قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان قد ملأوا السهل والجبل، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لم تكن بقعة في الأرض إلا ولها مالك وحائز. رواهما ابن أبي حاتم.
{ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بين اركب معنا ولا تكن مع الكافرين* قال سآوى إلي جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين} (سورة هود:42ـ43)
وهذا الابن هو "يام" أخو سام وحام ويافث؛ وقيل اسمه كنعان؛ وكان كافراً، عملاً غير صالح، فخالف أباه في دينه؛ فهلك مع من هلك. هذا وقد نجا مع أبيه الأجانب في النسب؛ لما كانوا موافقين في الدين والمذهب.
{وقيل يا أرض أبلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى، وقيل بعداً للقوم الظالمين} (سورة هود:44)
أي: لما فرغ من أهل الأرض؛ ولم يبق منها أحد ممن عبد غير الله عز وجل؛ أمر الله الأرض أن تبتلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي: تمسك عن المطر، (وغيض الماء) أي: نقص عما كان (وقضى الأمر) أي: وقع بهم الذي كان قد سبق في عمله وقدره؛ من إحلاله بهم ما حل بهم.
(وقيل بعداً للقوم الظالمين) أي: نودي عليهم بلسان القدرة: بعداً لهم من الرحمة والمغفرة.
كما قال تعالى:
{فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين} (سورة الأعراف: 64)
وقال تعالى:
{فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} (سورة يونس:73)
وقال تعالى:
{ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا، إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين} (سورة الأنبياء:77)
وقال تعالى:
{فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (سورة الشعراء:119ـ122)
وقال تعالى:
{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون * فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين} (سورة العنكبوت:14ـ15)
وقال تعالى:
{ثم أغرقنا الآخرين} (سورة الشعراء:66)
وقال تعالى:
{ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (سورة القمر:15ـ17)
وقال تعالى:
{مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} (سورة نوح:25ـ27)
وقد استجاب الله تعالى ـ وله الحمد والمنة ـ فلم يبق منهم عين تطرف.
وقد رأى الإمامان أبو جعفر بن جرير، وأبو محمد بن أبي حاتم في تفسيرهما؛ من طريق يعقوب بن محمد الزهري؛ عن فائد مولي عبيد الله بن أبي رافع؛ أن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة أم المؤمنين، أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فلو رحم الله من قوم نوح أحد لرحم أم الصبي"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة ـ يعني إلا خمسين عاماً ـ وغرس مائة سنة الشجر، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها ثم جعلها سفينة؛ ويمرون عليه ويسخرون منه؛ ويقولون: تعمل سفينة في البر كيف تجري؟ قال: سوف تعلمون.
فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً فخرجت به إلي الجبل حتى بلغت ثلثه؛ فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعت يديها فغرقت؛ فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي"
وهذا حديث غريب. وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة وأحرى بهذا الحديث أن يكون موثوقاً متلقي عن مثل كعب الأحبار، والله أعلم.
والمقصود أن الله لم يبق من الكافرين دياراً.
فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق ـ ويقال ابن عناق ـ كان موجوداً من قبل نوح إلي زمان موسى؟! ويقولون: كان كافراً متمرداً جباراً عنيداً. ويقولون: كان لغير رشده، بل ولدته أمه بنت آدم من زنا، وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشوبه في عين الشمس، وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة: ما هذه القصعية التي لك؟ ويستهزئ به. ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلثاً، إلي غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من الكتب والتفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها؛ لسقاطتها وركاكتها، ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
أما المعقول: فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره، وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان، ولا يهلك عوج بن عنق، ويقال عناق، وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا؟
وكيف لا يرحم الله منهم أحداً ولا أم الصبي، وترك هذا الدعي الجبار العنيد الفاجر الشديد الكافر، الشيطان المريد على ما ذكروا؟.
وأما المنقول فقد قال الله تعالى:
{ثم أغرقنا الآخرين} (سورة الشعراء:66)
وقال:
{رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} (سورة نوح:26)
ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن"
فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى
{إن هو إلا وحي يوحي} (سورة النجم:4)
إنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلي يوم إخباره بذلك وهلم جرا إلي يوم القيامة، وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه.
فكيف يترك هذا ويذهل عنه ويصار إلي أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب، الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها؟ فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه، وهم الخونة والكذبة ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلي يوم القيامة.
وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق إلا اختلافاً من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء. والله أعلم.
ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده، وسؤاله عن غرقه على وجه الاستعلام والاستكشاف
قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان قد ملأوا السهل والجبل، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لم تكن بقعة في الأرض إلا ولها مالك وحائز. رواهما ابن أبي حاتم.
{ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بين اركب معنا ولا تكن مع الكافرين* قال سآوى إلي جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين} (سورة هود:42ـ43)
وهذا الابن هو "يام" أخو سام وحام ويافث؛ وقيل اسمه كنعان؛ وكان كافراً، عملاً غير صالح، فخالف أباه في دينه؛ فهلك مع من هلك. هذا وقد نجا مع أبيه الأجانب في النسب؛ لما كانوا موافقين في الدين والمذهب.
{وقيل يا أرض أبلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى، وقيل بعداً للقوم الظالمين} (سورة هود:44)
أي: لما فرغ من أهل الأرض؛ ولم يبق منها أحد ممن عبد غير الله عز وجل؛ أمر الله الأرض أن تبتلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي: تمسك عن المطر، (وغيض الماء) أي: نقص عما كان (وقضى الأمر) أي: وقع بهم الذي كان قد سبق في عمله وقدره؛ من إحلاله بهم ما حل بهم.
(وقيل بعداً للقوم الظالمين) أي: نودي عليهم بلسان القدرة: بعداً لهم من الرحمة والمغفرة.
كما قال تعالى:
{فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين} (سورة الأعراف: 64)
وقال تعالى:
{فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} (سورة يونس:73)
وقال تعالى:
{ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا، إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين} (سورة الأنبياء:77)
وقال تعالى:
{فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (سورة الشعراء:119ـ122)
وقال تعالى:
{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون * فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين} (سورة العنكبوت:14ـ15)
وقال تعالى:
{ثم أغرقنا الآخرين} (سورة الشعراء:66)
وقال تعالى:
{ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (سورة القمر:15ـ17)
وقال تعالى:
{مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} (سورة نوح:25ـ27)
وقد استجاب الله تعالى ـ وله الحمد والمنة ـ فلم يبق منهم عين تطرف.
وقد رأى الإمامان أبو جعفر بن جرير، وأبو محمد بن أبي حاتم في تفسيرهما؛ من طريق يعقوب بن محمد الزهري؛ عن فائد مولي عبيد الله بن أبي رافع؛ أن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة أم المؤمنين، أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فلو رحم الله من قوم نوح أحد لرحم أم الصبي"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة ـ يعني إلا خمسين عاماً ـ وغرس مائة سنة الشجر، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها ثم جعلها سفينة؛ ويمرون عليه ويسخرون منه؛ ويقولون: تعمل سفينة في البر كيف تجري؟ قال: سوف تعلمون.
فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً فخرجت به إلي الجبل حتى بلغت ثلثه؛ فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعت يديها فغرقت؛ فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي"
وهذا حديث غريب. وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة وأحرى بهذا الحديث أن يكون موثوقاً متلقي عن مثل كعب الأحبار، والله أعلم.
والمقصود أن الله لم يبق من الكافرين دياراً.
فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق ـ ويقال ابن عناق ـ كان موجوداً من قبل نوح إلي زمان موسى؟! ويقولون: كان كافراً متمرداً جباراً عنيداً. ويقولون: كان لغير رشده، بل ولدته أمه بنت آدم من زنا، وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشوبه في عين الشمس، وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة: ما هذه القصعية التي لك؟ ويستهزئ به. ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلثاً، إلي غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من الكتب والتفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها؛ لسقاطتها وركاكتها، ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
أما المعقول: فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره، وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان، ولا يهلك عوج بن عنق، ويقال عناق، وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا؟
وكيف لا يرحم الله منهم أحداً ولا أم الصبي، وترك هذا الدعي الجبار العنيد الفاجر الشديد الكافر، الشيطان المريد على ما ذكروا؟.
وأما المنقول فقد قال الله تعالى:
{ثم أغرقنا الآخرين} (سورة الشعراء:66)
وقال:
{رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} (سورة نوح:26)
ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن"
فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى
{إن هو إلا وحي يوحي} (سورة النجم:4)
إنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلي يوم إخباره بذلك وهلم جرا إلي يوم القيامة، وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه.
فكيف يترك هذا ويذهل عنه ويصار إلي أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب، الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها؟ فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه، وهم الخونة والكذبة ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلي يوم القيامة.
وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق إلا اختلافاً من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء. والله أعلم.
ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده، وسؤاله عن غرقه على وجه الاستعلام والاستكشاف
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
[size=18]ووجه السؤال: أنك وعدتني بنجاة أهلي معي وهو منهم وقد غرق؟ فأجيب بأنه ليس من أهلك، أي: الذين وعدت بنجاتهم. أي: أما قلنا لك:
{وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم} (سورة المؤمنون:27)
فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره، ولهذا ساقته الأقدار إلي أن انحاز عن حوزة أهل الإيمان، فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان.
ثم قال تعالى:
{قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} (سورة هود:48)
هذا أمر لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الأرض، وأمكن السعي فيها والاستقرار عليها، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر جبل الجودي، وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور، (بسلام منا وبركات) أي: اهبط سالماً مباركاً عليك، وعلى أمم ممن سيولد بعد، أي: من أولادك، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام. قال تعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين) الصافات:77، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلي أولاد نوح الثلاثة وهم سام، وحام، ويافث.
قال الإمام احمد: حدثنا عبد الوهاب، عن بن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم"
ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعاً نحوه.
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. قال: والمراد بالروم هنا الروم الأول، وهم اليونان المنتسبون إلي رومي بن لبطي ابن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام
ثم روي من حديث إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ولد نوح ثلاثة: سام ويافث وحام، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة: فولد سام: العرب وفارس والروم. وولد يافث: الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج. وولد حام: القبط والسودان والبربر.
قلت: وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن هانئ واحمد ابن الحسين بن عباد أبو العباس، قالا: حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي حدثني أبي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لنوح سام وحام ويافث، فولد لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد ليافث: يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم، وولد لحام: القبط والبربر والسودان"
ثم قال: لا تعلمه يروي مرفوعاً إلا من هذا الوجه، تفرد به محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه. ورواه غيره عن يحيى بن سعيد مرسلاً ولم يسنده، وإنما جعله من قول سعيد.
قلت: وهذا الذي ذكره أبو عمر، هو المحفوظ عن سعيد قوله: (وهكذا روي عن وهب بن منبه مثله، والله أعلم)، ويزيد بن سنان أبو قروة الرهاوي ضعيف بمرة لا يعتمد عليه.
وقد قيل: إن نوحاً عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد إلا بعد الطوفان، وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق، وعابر ماتت قبل الطوفان.
والصحيح أن أولاده الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم وأمهم، وهو نص التوراة.
وقد ذكر أن "حاماً" واقع امرأته في السفينة، فدعا عليه نوح أن تشوه خلقه نطفته، فولد له ولد أسود، وهو كنعان بن حام جد السودان، وقيل: بل رأى أباه نائماً، وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخوه، فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته وأن يكون أولاده عبيداً لأخوته.
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها، قال: فانطلق بهم حتى أتى إلي كثيب من تراب، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه، وقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا قبر حام بن نوح. قال وضرب الكثيب بعصاه، وقال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب، فقال له عيسى عليه السلام: هكذا هلكت؟ قال: ولكن مت وأنا شاب، ولكني ظننت أنها الساعة، فمن ثم شبت.
قال: حدثنا عن سفينة نوح، قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلي نوح عليه السلام أن اغمز ذئب الفيل، فغمزه، فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث، ولما وقع الفأر يخرر السفينة بقرضه أوحى الله عز وجل إلي نوح عليه السلام أن أضرب بين عيني الأسد؛ فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا على الفأر، فقال له عيسى: كيف علم نوح عليه السلام أن البلاد قد غرقت، قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف، فذلك لا يألف البيوت.
قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت. قال: فطوقها الخضرة التي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت، قال: فقالوا: يا رسول الله، ألا تنطلق به إلي أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، فعاد تراباً.
وهذا أثر غريب جداً.
وروي علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً، وإن الله وجه السفينة إلي مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها إلي الجودي فاستقرت عليه، فبعث نوح عليه السلام الغرب ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلي أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم وقد تلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربية، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.
وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوماً، واستقرت بهم على الجودي شهراً، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، وقد روي ابن حرير خبراً مرفوعاً يوافق هذا، وأنهم صاموا يومهم ذلك.
وقال الإمام احمد: حدثنا أبو جعفر، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي، عن أبيه حبيب بن عبد الله، عن شبل، عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا من الصوم!" فقالوا: هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا اليوم استوت فيه السفينة على الجودي . فصامه نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم" فأمر أصحابه بالصوم.
وقال لأصحابه: "من كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان منكم قد أصاب من غداء أهله فليتم بقية يومه"
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر، والمستغرب ذكر نوح أيضاً، والله أعلم.
وأما ما يذكره كثير من الجهلة أنهم أكلوا من فضول أزوادهم، ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها، وطحنوا الحبوب يومئذ، واكتحلوا بالإثمد لتقوية أبصارهم لما انهارت من الضياء بعدما كانوا في ظلمة السفينة، فكل هذا لا يصح فيه شيء، وإنما يذكر فيه آثار منقطعة عن بني إسرائيل لا يعتمد عليها ولا يقتدي بها، والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان؛ أرسل ريحاً على وجه الأرض، فسكن الماء وانسدت ينابيع الأرض، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر، وكان استواء الفلك على الجوي فيما يزعم أهل التوراة، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه، وفي أول يوم من الشهر العاشر رئيت رءوس الجبال.
فلما مضى بعد ذلك أربعون يوماً فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه فلم يجد لرجليها موضعاً فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها، ثم مضت سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فلم ترجع فرجعت حين أمست وفي ورق زيتونة، فعلم نوح أن الماء قد قل على وجه الأرض.
ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه، فعلم نوح أن الأرض قد برزت، فلم كملت السير فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلي أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين؛ برز وجه الأرض، وظهر البر؛ وكشف نوح غطاء الفلك.
وهذا الذي ذكره ابن إسحاق هو بعينه مضمون سياق التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.
وقال ابن إسحاق: وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في ست وعشرين ليلة منه:
{قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك، وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} (سورة هود:48)
وفيما ذكر أهل الكتاب أن الله كلم نوحاً قائلاً له: اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك، وجميع الدواب التي معك ولينموا وليكثروا في الأرض.
فخرجوا، وابتنى نوح مذبحاً لله عز وجل، وأخذ من جميع الدواب الحلال، والطير الحلال فذبحها قرباناً إلي الله عز وجل، وعهد الله إليه ألا يعيد الطوفان على أهل الأرض، وجعل تذكاراً لميثاقه إليه القوس الذي في الغمام، وهو قوس قزح الذي روى عن ابن عباس أنه أمان من الغرق. قال بعضهم: فيه إشارة إلي أنه قوس بلا وتر، أي: أن هذا الغمام لا يوجد منه طوفان كأول مرة.
وقد أنكرت طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند وقوع الطوفان، واعترف به آخرون منهم، وقالوا: إنما كان بأرض بابل ولم يصل إلينا. قالوا: ولم نزل نتوارث الملك كابراً عن كابر من لدن "كنوفرت" يعنون ـ آدم ـ إلي زماننا هذا.
وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران وأتباع الشيطان. وهذا سفسطة، وكفر فظيع، وجهل بليغ، ومكابرة للمحسوسات، وتكذيب لرب الأرض والسموات.
وقد اجمع أهل الأديان الناقلون عن رسل الرحمن، مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان، على وقوع الطوفان، وأنه عم جميع البلاد، ولم يبق الله أحداً من كفرة العباد؛ استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم، وتنفيذاً لما سبق في القدر المحتوم[/size]
{وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم} (سورة المؤمنون:27)
فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره، ولهذا ساقته الأقدار إلي أن انحاز عن حوزة أهل الإيمان، فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان.
ثم قال تعالى:
{قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} (سورة هود:48)
هذا أمر لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الأرض، وأمكن السعي فيها والاستقرار عليها، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر جبل الجودي، وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور، (بسلام منا وبركات) أي: اهبط سالماً مباركاً عليك، وعلى أمم ممن سيولد بعد، أي: من أولادك، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام. قال تعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين) الصافات:77، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلي أولاد نوح الثلاثة وهم سام، وحام، ويافث.
قال الإمام احمد: حدثنا عبد الوهاب، عن بن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم"
ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعاً نحوه.
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. قال: والمراد بالروم هنا الروم الأول، وهم اليونان المنتسبون إلي رومي بن لبطي ابن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام
ثم روي من حديث إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ولد نوح ثلاثة: سام ويافث وحام، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة: فولد سام: العرب وفارس والروم. وولد يافث: الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج. وولد حام: القبط والسودان والبربر.
قلت: وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن هانئ واحمد ابن الحسين بن عباد أبو العباس، قالا: حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي حدثني أبي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لنوح سام وحام ويافث، فولد لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد ليافث: يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم، وولد لحام: القبط والبربر والسودان"
ثم قال: لا تعلمه يروي مرفوعاً إلا من هذا الوجه، تفرد به محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه. ورواه غيره عن يحيى بن سعيد مرسلاً ولم يسنده، وإنما جعله من قول سعيد.
قلت: وهذا الذي ذكره أبو عمر، هو المحفوظ عن سعيد قوله: (وهكذا روي عن وهب بن منبه مثله، والله أعلم)، ويزيد بن سنان أبو قروة الرهاوي ضعيف بمرة لا يعتمد عليه.
وقد قيل: إن نوحاً عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد إلا بعد الطوفان، وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق، وعابر ماتت قبل الطوفان.
والصحيح أن أولاده الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم وأمهم، وهو نص التوراة.
وقد ذكر أن "حاماً" واقع امرأته في السفينة، فدعا عليه نوح أن تشوه خلقه نطفته، فولد له ولد أسود، وهو كنعان بن حام جد السودان، وقيل: بل رأى أباه نائماً، وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخوه، فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته وأن يكون أولاده عبيداً لأخوته.
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها، قال: فانطلق بهم حتى أتى إلي كثيب من تراب، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه، وقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا قبر حام بن نوح. قال وضرب الكثيب بعصاه، وقال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب، فقال له عيسى عليه السلام: هكذا هلكت؟ قال: ولكن مت وأنا شاب، ولكني ظننت أنها الساعة، فمن ثم شبت.
قال: حدثنا عن سفينة نوح، قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلي نوح عليه السلام أن اغمز ذئب الفيل، فغمزه، فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث، ولما وقع الفأر يخرر السفينة بقرضه أوحى الله عز وجل إلي نوح عليه السلام أن أضرب بين عيني الأسد؛ فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا على الفأر، فقال له عيسى: كيف علم نوح عليه السلام أن البلاد قد غرقت، قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف، فذلك لا يألف البيوت.
قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت. قال: فطوقها الخضرة التي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت، قال: فقالوا: يا رسول الله، ألا تنطلق به إلي أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، فعاد تراباً.
وهذا أثر غريب جداً.
وروي علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً، وإن الله وجه السفينة إلي مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها إلي الجودي فاستقرت عليه، فبعث نوح عليه السلام الغرب ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلي أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم وقد تلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربية، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.
وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوماً، واستقرت بهم على الجودي شهراً، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، وقد روي ابن حرير خبراً مرفوعاً يوافق هذا، وأنهم صاموا يومهم ذلك.
وقال الإمام احمد: حدثنا أبو جعفر، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي، عن أبيه حبيب بن عبد الله، عن شبل، عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا من الصوم!" فقالوا: هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا اليوم استوت فيه السفينة على الجودي . فصامه نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم" فأمر أصحابه بالصوم.
وقال لأصحابه: "من كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان منكم قد أصاب من غداء أهله فليتم بقية يومه"
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر، والمستغرب ذكر نوح أيضاً، والله أعلم.
وأما ما يذكره كثير من الجهلة أنهم أكلوا من فضول أزوادهم، ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها، وطحنوا الحبوب يومئذ، واكتحلوا بالإثمد لتقوية أبصارهم لما انهارت من الضياء بعدما كانوا في ظلمة السفينة، فكل هذا لا يصح فيه شيء، وإنما يذكر فيه آثار منقطعة عن بني إسرائيل لا يعتمد عليها ولا يقتدي بها، والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان؛ أرسل ريحاً على وجه الأرض، فسكن الماء وانسدت ينابيع الأرض، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر، وكان استواء الفلك على الجوي فيما يزعم أهل التوراة، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه، وفي أول يوم من الشهر العاشر رئيت رءوس الجبال.
فلما مضى بعد ذلك أربعون يوماً فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه فلم يجد لرجليها موضعاً فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها، ثم مضت سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فلم ترجع فرجعت حين أمست وفي ورق زيتونة، فعلم نوح أن الماء قد قل على وجه الأرض.
ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه، فعلم نوح أن الأرض قد برزت، فلم كملت السير فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلي أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين؛ برز وجه الأرض، وظهر البر؛ وكشف نوح غطاء الفلك.
وهذا الذي ذكره ابن إسحاق هو بعينه مضمون سياق التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.
وقال ابن إسحاق: وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في ست وعشرين ليلة منه:
{قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك، وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} (سورة هود:48)
وفيما ذكر أهل الكتاب أن الله كلم نوحاً قائلاً له: اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك، وجميع الدواب التي معك ولينموا وليكثروا في الأرض.
فخرجوا، وابتنى نوح مذبحاً لله عز وجل، وأخذ من جميع الدواب الحلال، والطير الحلال فذبحها قرباناً إلي الله عز وجل، وعهد الله إليه ألا يعيد الطوفان على أهل الأرض، وجعل تذكاراً لميثاقه إليه القوس الذي في الغمام، وهو قوس قزح الذي روى عن ابن عباس أنه أمان من الغرق. قال بعضهم: فيه إشارة إلي أنه قوس بلا وتر، أي: أن هذا الغمام لا يوجد منه طوفان كأول مرة.
وقد أنكرت طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند وقوع الطوفان، واعترف به آخرون منهم، وقالوا: إنما كان بأرض بابل ولم يصل إلينا. قالوا: ولم نزل نتوارث الملك كابراً عن كابر من لدن "كنوفرت" يعنون ـ آدم ـ إلي زماننا هذا.
وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران وأتباع الشيطان. وهذا سفسطة، وكفر فظيع، وجهل بليغ، ومكابرة للمحسوسات، وتكذيب لرب الأرض والسموات.
وقد اجمع أهل الأديان الناقلون عن رسل الرحمن، مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان، على وقوع الطوفان، وأنه عم جميع البلاد، ولم يبق الله أحداً من كفرة العباد؛ استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم، وتنفيذاً لما سبق في القدر المحتوم[/size]
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
قصة إبراهيم الخليل عليه السلام
هو إبراهيم بن تارخ/ بن باحور/ بن ساروغ/ بن راعو
250/ 148/ 230/ 239
ابن فالغ/ بن عابر/ بن شالخ/ بن أرفخشذ
439/ 464/ 433/ 438
ابن سام/ بن نوح عليه السلام
600
هذا نص أهل الكتاب في كتابهم؛ وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي كما ذكروه من المدد، وقدمنا الكلام على عمر نوح عليه السلام فأغنى عن إعادته. وحكى الحافظ أن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحاق بن بشر الكاهلي صاحب كتاب "المبتدأ" أن اسم أم إبراهيم "أميلة"، ثم أورد عنه في خبر ولادتها له حكاية طويلة. وقال الكلبي: اسمها "بونا" بنت كربتا بن كرلي، ومن بني أرفخشذ بن سام بن نوح.
وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال: كان إبراهيم عليه السلام يكنى "أبا الضيفان". قالوا: ولما كان عمر تارخ خمساً وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام، وناحور وهاران، وولد لهاران "لوط".وعندهم أن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط، وأن هاران مات في حياة أبيه في أرضه التي ولد فيها، وهي أرض الكلدانيين؛ يعنون أرض بابل.
وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والأخبار، وصحح ذلك الحافظ ابن عساكر، بعدما روى من طريق هشام بن عمار، عن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن ابن عباس قال: ولد إبراهيم بغوطة دمشق، في قرية يقال لها: برزة، في جبل يقال له: قاسيون، ثم قال: والصحيح أنه ولد ببابل. وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معيناً للوط عليه السلام.
قالوا: فتزوج إبراهيم سارة، وناحور ابنة هاران، يعنون ابنة أخيه.
قالوا: وكانت سارة عاقراً لا تلد.
قالوا: وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلي أرض الكنعانيين، فنزلوا حران فمات فيها تارخ وله مائتان وخمس ستين، وهذا يدل على أنه لم يولد بحران، وإنما مولده بأرض الكلدانيين وهي أرض بابل وما والاها.
ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فأقاموا بحران وهي أرض الكلدانيين في ذلك الزمان، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضاً، وكانوا يعبدون الكواكب السبعة. والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين، يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال والمقال. ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب منها، ويعملون لها أعياداً وقرابين.
وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام، وكل من على وجه الأرض كانوا كفاراً، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليهم السلام. وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور، وأبطل به ذاك الضلال؛ فإن الله سبحانه وتعالى آتاه رشده في صغره، وابتعثه رسولاً واتخذه خليلاً في كبره.
قال الله تعالى:
{ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} (سورة الأنبياء:51)
أي: وكان أهلاً لذلك. وقال تعالى:
{وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه، ذلكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبون فقد كذب أمم من قبلكم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين * أو لم يروا كيف يبدي الله الخلق ثم يعيده، إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحمن من يشاء، وإليه تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين * فآمن له لوط، وقال إني مهاجر إلي ربي، إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} (سورة العنكبوت:16ـ27)
ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله. وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له، كما قال تعالى:
{واذكر في الكتاب إبراهيم، إنه كان صديقاً نبياً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهديك صراطاً سوياً * يا أبت لا تعبد الشيطان، إن الشيطان كان للرحمن عصياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً * قال أرغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم، لئن لم تنته لأرجمنك، واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي، إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم ما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا} (سورة مريم:41ـ48)
وذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلي الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة، وبين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه، فكيف تغني عنه شيئاً أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر؟ ثم قال له منبهاً على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع، وإن كان أصغر سناً من أبيه:
{يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهديك صراطاً سوياً} (سورة مريم:43)
250/ 148/ 230/ 239
ابن فالغ/ بن عابر/ بن شالخ/ بن أرفخشذ
439/ 464/ 433/ 438
ابن سام/ بن نوح عليه السلام
600
هذا نص أهل الكتاب في كتابهم؛ وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي كما ذكروه من المدد، وقدمنا الكلام على عمر نوح عليه السلام فأغنى عن إعادته. وحكى الحافظ أن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحاق بن بشر الكاهلي صاحب كتاب "المبتدأ" أن اسم أم إبراهيم "أميلة"، ثم أورد عنه في خبر ولادتها له حكاية طويلة. وقال الكلبي: اسمها "بونا" بنت كربتا بن كرلي، ومن بني أرفخشذ بن سام بن نوح.
وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال: كان إبراهيم عليه السلام يكنى "أبا الضيفان". قالوا: ولما كان عمر تارخ خمساً وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام، وناحور وهاران، وولد لهاران "لوط".وعندهم أن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط، وأن هاران مات في حياة أبيه في أرضه التي ولد فيها، وهي أرض الكلدانيين؛ يعنون أرض بابل.
وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والأخبار، وصحح ذلك الحافظ ابن عساكر، بعدما روى من طريق هشام بن عمار، عن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن ابن عباس قال: ولد إبراهيم بغوطة دمشق، في قرية يقال لها: برزة، في جبل يقال له: قاسيون، ثم قال: والصحيح أنه ولد ببابل. وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معيناً للوط عليه السلام.
قالوا: فتزوج إبراهيم سارة، وناحور ابنة هاران، يعنون ابنة أخيه.
قالوا: وكانت سارة عاقراً لا تلد.
قالوا: وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلي أرض الكنعانيين، فنزلوا حران فمات فيها تارخ وله مائتان وخمس ستين، وهذا يدل على أنه لم يولد بحران، وإنما مولده بأرض الكلدانيين وهي أرض بابل وما والاها.
ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فأقاموا بحران وهي أرض الكلدانيين في ذلك الزمان، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضاً، وكانوا يعبدون الكواكب السبعة. والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين، يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال والمقال. ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب منها، ويعملون لها أعياداً وقرابين.
وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام، وكل من على وجه الأرض كانوا كفاراً، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليهم السلام. وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور، وأبطل به ذاك الضلال؛ فإن الله سبحانه وتعالى آتاه رشده في صغره، وابتعثه رسولاً واتخذه خليلاً في كبره.
قال الله تعالى:
{ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} (سورة الأنبياء:51)
أي: وكان أهلاً لذلك. وقال تعالى:
{وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه، ذلكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبون فقد كذب أمم من قبلكم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين * أو لم يروا كيف يبدي الله الخلق ثم يعيده، إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحمن من يشاء، وإليه تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين * فآمن له لوط، وقال إني مهاجر إلي ربي، إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} (سورة العنكبوت:16ـ27)
ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله. وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له، كما قال تعالى:
{واذكر في الكتاب إبراهيم، إنه كان صديقاً نبياً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهديك صراطاً سوياً * يا أبت لا تعبد الشيطان، إن الشيطان كان للرحمن عصياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً * قال أرغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم، لئن لم تنته لأرجمنك، واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي، إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم ما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا} (سورة مريم:41ـ48)
وذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلي الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة، وبين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه، فكيف تغني عنه شيئاً أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر؟ ثم قال له منبهاً على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع، وإن كان أصغر سناً من أبيه:
{يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهديك صراطاً سوياً} (سورة مريم:43)
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
أي: مستقيماً واضحاً حنيفاً يفضي بك إلي الخير في دنياك وأخراك. فلما عرض هذا الرشد عليه، وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه، بل تهدده وتوعده قال: (قال أرغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته لأرجمنك) قيل: بالمقال، وقيل: بالفعال،
{واهجرني ملياً} (سورة مريم:46)
أي: واقطعني وأطل هجراني.
فعندها قال له إبراهيم: (سلام عليك) أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذى، بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيراً فقال:
{سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً} (سورة مريم:47)
قال ابن عباس وغيره: أي لطيفاً، يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له، ولهذا قال:
{وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً} (سورة مريم:48)
وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه كما قال تعالى:
{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، إن إبراهيم لأواه حليم} (سورة التوبة:114)
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثني أخي عبد الحميد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقي إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ، فيؤخذ بقوائمة فيلقى في النار"
وقال في التفسير: وقال إبراهيم بن طهمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة. وهكذا رواه النسائي عن احمد بن حفص بن عبد الله، عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان به، وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وفي سياقه غرابة. ورواه أيضاً من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال تعالى:
{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتحذ أصناماً آلهةً، إني أراك وقومك في ضلال مبين} (سورة الأنعام:74)
هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر، وجمهور أهلالنسب، منهم ابن عباس، على أناسمأبيه تارخ، وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء المعجمة، فقيل: إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر. وقال ابن جرير: الصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان، او أحدهما لقب والآخر علم. وهذا الذي قاله محتمل. والله أعلم.
ثم قال تعالى:
{وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين * وحاجة قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان، ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي وسع ربي كل شيء علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن، إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، نرفع درجات من نشاء، إن ربك حكيم عليم} (سورة الأنعام:75ـ83)
وهذا المقام مقام مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذا الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة، لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل؛ لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة، تطلع تارة وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافيه، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله ألا الله هو ولا رب سواه.
فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب لذلك، قيل: هو الزهرة؛ ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أَضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلي الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة، كما قال تعالى:
{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} (سورة فصلت:37)
ولهذا قال: فلما رأى الشمس بازغة أي: طالعة
{قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين * وحاجة قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان، ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً} (سورة الأنعام:78ـ80)
أي: لست أبالي في هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله، فإنها لا تنفع شيئاً ولا تسمع ولا تعقل، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها، أو مصنوعة منحوتة منجورة. والظاهر ان موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كانوا يعبدونها، وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيراً، كما ذكره ابن إسحاق وغيره وهو مستند إلي أخبار إسرائيل لا يوثق بها، ولاسيما إذا خالفت الحق.
وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانها، كما قال تعالى:
{وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين} (سورة العنكبوت:25)
وقال في سورة الأنبياء:
{ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذا البتماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن أصنامكم بعد ان تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون * قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم * قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألأوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلي أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون * قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون * قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين} (سورة الأنبياء:51ـ70)
{واهجرني ملياً} (سورة مريم:46)
أي: واقطعني وأطل هجراني.
فعندها قال له إبراهيم: (سلام عليك) أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذى، بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيراً فقال:
{سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً} (سورة مريم:47)
قال ابن عباس وغيره: أي لطيفاً، يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له، ولهذا قال:
{وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً} (سورة مريم:48)
وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه كما قال تعالى:
{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، إن إبراهيم لأواه حليم} (سورة التوبة:114)
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثني أخي عبد الحميد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقي إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ، فيؤخذ بقوائمة فيلقى في النار"
وقال في التفسير: وقال إبراهيم بن طهمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة. وهكذا رواه النسائي عن احمد بن حفص بن عبد الله، عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان به، وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وفي سياقه غرابة. ورواه أيضاً من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال تعالى:
{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتحذ أصناماً آلهةً، إني أراك وقومك في ضلال مبين} (سورة الأنعام:74)
هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر، وجمهور أهلالنسب، منهم ابن عباس، على أناسمأبيه تارخ، وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء المعجمة، فقيل: إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر. وقال ابن جرير: الصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان، او أحدهما لقب والآخر علم. وهذا الذي قاله محتمل. والله أعلم.
ثم قال تعالى:
{وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين * وحاجة قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان، ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي وسع ربي كل شيء علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن، إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، نرفع درجات من نشاء، إن ربك حكيم عليم} (سورة الأنعام:75ـ83)
وهذا المقام مقام مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذا الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة، لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل؛ لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة، تطلع تارة وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافيه، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله ألا الله هو ولا رب سواه.
فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب لذلك، قيل: هو الزهرة؛ ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أَضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلي الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة، كما قال تعالى:
{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} (سورة فصلت:37)
ولهذا قال: فلما رأى الشمس بازغة أي: طالعة
{قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين * وحاجة قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان، ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً} (سورة الأنعام:78ـ80)
أي: لست أبالي في هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله، فإنها لا تنفع شيئاً ولا تسمع ولا تعقل، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها، أو مصنوعة منحوتة منجورة. والظاهر ان موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كانوا يعبدونها، وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيراً، كما ذكره ابن إسحاق وغيره وهو مستند إلي أخبار إسرائيل لا يوثق بها، ولاسيما إذا خالفت الحق.
وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانها، كما قال تعالى:
{وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين} (سورة العنكبوت:25)
وقال في سورة الأنبياء:
{ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذا البتماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن أصنامكم بعد ان تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون * قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم * قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألأوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلي أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون * قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون * قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين} (سورة الأنبياء:51ـ70)
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
بوركت اخي الفاضل
وجعله الله في ميزان حسناتك
اشكرك على اهمية الطرح المفيد
تقديري و احترامي لك
اختكم / سحابة امل
سحابة امل- عضو جديد
-
عدد الرسائل : 16
المغرب : MAROC
تاريخ التسجيل : 19/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
شكرا اختي سحابة امل على الرد الحلو
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
مشكور جدا يا سلطان الامل على القصص و المجهود الواضح اخي
تسلم لينا يا رب
احترامي
بسمه
رد: ملف : مجموعة قصص الانبياء
اهلا بك اختي بسمه
سلطان الامل- الادارة
- عدد الرسائل : 189
تاريخ التسجيل : 10/11/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى